حكم من أقيمت عليه الصلاة وهو في نافلة |
ما حكم المتنفل إذا أقيمت الفريضة عليه هل يأتي بباقيها جالسا أم لا؟ أن النبي (ص) قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» وهذا الحديث ثابت عن النبي (ص) فليس البحث إذن في صحته إنما البحث في دلالته، وقد اختلف أهل العلم في دلالته، فذهب بعضهم إلى أن معنى قوله: لا صلاة، أي لا استئناف صلاة، وذهب آخرون إلى أن معناها لا صحة صلاة، واتفق الجميع على أن لا نافية لا ناهية، لأن لا الناهية لا تدخل على الاسم هنا بل لو كان لا بمعنى النهي لقال: فلا تصلوا، إذا أقيمت الصلاة فلا تصلوا لكن قال: لا صلاة، ولا نافية إذن والنفي لا ينصب على وجود الصلاة لأن ذلك كذب فنحن نشاهد الصلاة وقد أقيمت الفريضة والنبي (ص) يستحيل الكذب في حقه فدل ذلك على أن ثم مقتضى محذوفا لا يستقيم الكلام إلا به، وهذه الدلالة هي التي تسمى لدى الأصوليين بدلالة الاقتضاء.. وهي أن ثم محذوفا لا يستقيم الكلام إلا به، وهذا المحذوف الذي هو المقتضى لا عموم له، لا يمكن أن يكون يشمل عددا من الاحتمالات بل لا بد أن يحصر في احتمال واحد، فهنا هذا المحذوف الذي لا يستقيم الكلام إلا به ثلاثة أقسام، القسم الأول ما لا يستقيم الكلام عقلا إلا به، وذلك مثل قول الله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)} [الكهف]، فالكلام هنا لا يستقيم عقلا إلا بمحذوف لأن خرق السفينة لا يخرجها عن أن تكون سفينة فهو خرقها وقال بعد ذلك {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)} هل خرقها يخرجها عن كونها سفينة، لا يخرجها عن كونها سفينة، إذن لا بد من محذوف تقديره كل سفينة صالحة، لأن الملك لا يأخذ إلا السفن الصالحة، فلذلك خرق الخضر السفينة حتى يكون فيها عيب تنجو من الملك بسببه، إذن هذا المحذوف الذي لا يستقيم الكلام عقلا إلا به، النوع الثاني لا تستقيم صحة الكلام إلا به يكون الكلام كذبا بدونه، وذلك مثل قول النبي (ص): رفع لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فالخطأ والنسيان موجودان في الأمة والاستكراه موجود في الأمة فإذن لا يستقيم الكلام إلا بمحذوف تقديره إثم الخطإ والنسيان وما استكرهوا عليه، فالمرفوع عن الأمة هو إثم الخطإ والنسيان وما استكرهوا عليه، لا وجود الخطإ والنسيان وما استكرهوا عليه فهذا موجود، القسم الثالث ما لا يستقيم معناه شرعا إلا بذلك المحذوف، وذلك مثل قولك تصدق عني بكذا تصدق عني بدارك، فأنا لا يمكن أن أتصدق عنك إلا أن تملك أنت الدار ثم أتصدق عنك بها لأن المقصود بالصدقة عنك إخراجها بعد أن تدخل ملكك، فمعنى هذا بعني دارك أو أعطني دارك ثم تصدق بها عني، فإذن ثم محذوف لا يستقيم الكلام إلا به شرعا فقط لا عقلا، ومن هنا فإن قوله (ص): «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» من هذا القبيل، فحمله بعض أهل العلم على أن المقصود به: لا إتمام صلاة فرأوا أن الإنسان إذا كان متنفلا فأقيمت عليه الصلاة وهو في المسجد فعليه أن يقطع تلك النافلة ليشترك مع الإمام في الصلاة، فقد قال النبي (ص): أصلاتان معا لما رأى بعض الناس يصلي والإمام يصلي، وقالت طائفة أخرى بل المحذوف الذي لا يستقيم الكلام دونه تقديره فلا استئناف صلاة، فإذا أقيمت الصلاة لا يحل للإنسان أن يحرم من جديد بصلاة أخرى في المسجد، وهذا الذي أخذ به جمهور أهل العلم، ويرجع هذا الخلاف إلى خلاف آخر هو الخلاف في النفل هل يجب بالشروع أم لا؟ فنحن نعلم أن الشارع لما شرع الأحكام لم يجعلها على درجة واحدة، قد جعل بعضها واجبا وبعضها مندوبا، وحكمة الشارع أن يبقى الواجب على الوجوب والمندوب على الندب، لكن بعد الشروع فيه قد اختلف فيه أهل العلم، فقالت طائفة منهم: يجب النفل بالشروع، وقالت طائفة: لا يجب النفل بالشروع، وخرج من الخلاف أمران، الأمر الأول ما اتفق على وجوبه بالشروع وهو الحج والعمرة، فمن أحرم بحج أو عمرة متنفلا فإنه يجب عليه إكمالهما ولا يحل له قطعهما إجماعا، والأمر الثاني هو ما يحل قطعه مطلقا، لا يجب بالشروع عند الجميع وهو الطهارة والوقف، فالإنسان إذا بدأ يتوضأ ثم بدا له أن ينام يحل له قطع وضوئه، وإذا أراد أن يغتسل ثم بدا له أن يخرج لحاجة فيحل له قطع غسله وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، ومثل ذلك الوقف إذا وقف الإنسان دارا ثم بدا له أن يتراجع عن الوقف فيحل له ذلك، فإذن هذا الأمر الثاني المستثنى هما خارجان عن محل الخلاف، يبقى محل الخلاف فيما عدا ذلك إذا أحرم الإنسان بصلاة نافلة فالأصل عدم وجوبها، ولكن الشروع أدخله في حريم الصلاة، فهل يجب عليه إكمالها أم لا؟ ذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن النفل يجب بالشروع، وذهب الشافعي وأحمد إلى أن النفل لا يجب بالشروع، على القول بوجوب النفل بالشروع فإن الإنسان إذا شرع في الصلاة ولو كانت نافلة لا يحل له قطعها لفريضة أقيمت لأنه قد تلبس بفرض فلا يخرج من فرض إلى فرض آخر، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة واستدلا بقول الله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)}[محمد] وذهب الشافعي وأحمد إلى أن النفل لا يلزم بالشروع فحكمة الشارع تقتضي التمييز بين ما هو واجب وما هو مندوب، فما أوجبه الشارع يبقى على وجوبه، وما جعله مندوبا يبقى على ندبه، وعلى هذا لا يجب عندهم النفل بالشروع فيجوز للإنسان الذي أحرم بنافلة أن يقطعها لأي سبب من الأسباب، والشافعي يرى جواز التنفل بالركعة الواحدة، إذا أحرم الإنسان فأتى بركعة فأقيمت الصلاة يجوز له أن يتشهد ويسلم عند الشافعي، لكن مع ذلك فالمالكية مراعاة للخلاف يرون أن عليه أن يتجوز فيها لأن النبي (ص) ذكر التجوز في الصلاة في الركعتين في وقت خطبة الإمام على المنبر كما في حديث أبي هريرة «إذا دخل أحدكم المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فلا يجلس حتى يصلي ركعتين وليتجوز فيهما» وليتجوز فيهما معناه ليقصرهما يقصر قراءتهما وركوعهما وسجودهما، فرأوا أنه يتجوز فيهما، وهذا التجوز يشمل الجلوس إذا كانت حركاته أخف في حال الجلوس فيكمل الركعتين جالسا، وذهب بعض أهل العلم إلى التفصيل، فقالوا: إذا كان قد أتم ركعة فعليه أن يشفعها بأخرى، أما إذا كان في الركعة الأولى فيقطعها، وهذا قول لبعض المالكية، يرون أنه إذا لم يعقد الركوع يقطع وإذا كان قد عقد الركوع أتمها بركعة أخرى شفعها بركعة أخرى وشفع إن ركع كما قال خليل رحمه الله، وهذا تفصيل في هذه المسألة والبحث فيها يرجع إلى الفقه والأصول معا، فما يتعلق منه بإيجاب النفل بالشروع بحث أصولي، وما يتعلق بإكمال النافلة بعد إقامة الصلاة في المسجد بحث فقهي. |
آخر تحديث للموقع: الثلاثاء, 12 نوفمبر 2024 13:54