فتاوي في الحج والعمرة |
هل يكون آثما من أخر الحج وهو يجد تكاليفه بدون عذر؟ إن الحج ركن من أركان الإسلام، وقد قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران] وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هؤلاء الأمصار فلينظروا من فيهم ممن استطاع الحج فلم يحج فليفرضوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، وقال علي رضي الله عنه على المنبر: من استطاع الحج فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران] وعلى هذا فمن استطاع الحج فيجب عليه أن يبادر إليه، والراجح وجوب الحج على الفور لا على التراخي، لأن النبي (ص) قال: أيها الناس حجوا قبل أن لا تحجوا، قالوا: وما بال الحج يا رسول الله، قال: يجلس أعرابها على أذناب أوديتها فلا يصل إلى البيت أحد، وقد أخرج أبو داود في السنن بإسناد فيه ضعيف أن النبي (ص) قال: «من أراد الحج فليبادر فإنه قد يمرض المريض وتأتي الحاجة وتضل الراحلة» وهذه أعذار تحول دون الحج، فلذلك على الإنسان أن يبادر إليه، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الحج واجب على التراخي لا على الفور، واستدلوا بأن الحج فرضه الله على النبي (ص) في نهاية العام الثامن من الهجرة، فجاء العام التاسع ولم يحج فيه النبي (ص) بل أرسل أبا بكر يحج بالناس، ثم في العام العاشر حج النبي (ص) حجة الوداع وعلى هذا فإن النبي (ص) لم يحج بعد أن فتح الله عليه مكة واستطاع الحج في العام التاسع لم يحج في ذلك العام وإنما أخرها لعام آخر، ولكن الجواب عن هذا أن النبي (ص) لم يكن ليحج إلا في وقت الحج، والعام التاسع كان عام نسيئة والنسيء كان أهل الجاهلية يفعلونه، وهو تأخير بعض الأشهر عن وقتها، فقد جعل أهل مكة شهر ذي الحجة ذلك العام محرما، وهو الشهر الذي بعد ذي الحجة، وقد كانوا يفعلون هذا في الجاهلية، فأبطله الله تعالى بسورة التوبة وقال فيها: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} [الآية 37] ولذلك يقول أحدهم: ونحن الناسئون على معد** شهور الحل نجعلها حراما والنبي (ص) في حجة الوداع قال: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، فأبطل النسيئة فاستدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة 36] فاستدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض فحج النبي (ص) في وقت الحج، فلذلك يعتبر الإنسان القادر على الحج إذا أخره آثما إذا كان قادرا عليه واستطاع، والاستطاعة التي شرطها الله في قوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران 97] وشرطها النبي (ص) في حديث جبريل في قوله: «وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» تعريفها هي الزاد والراحلة والسبيل السابلة، الزاد أي النفقة والراحلة أي ما يوصل الإنسان إلى تلك البقاع، والسبيل السابلة أي الأمن على النفس والمال، فإذا كان الإنسان يجد ما يوصله من المال نفقة ونقلا وكان يأمن على نفسه وماله في الطريق فإنه قد وجب عليه الحج ولا يحل له التأخر عن أدائه، وهذا هو الراجح والأدلة قائمة عليه. ---------------------------------------------------------------------------------------------------- حكم من حجت واعتمرت وقد زورت محرما ما حكم من حجت واعتمرت وهي قد زورت محرما ولم يبق معها إلا في مدة السفر؟ إن قول الزور وشهادة الزور من أكبر الكبائر، ولكن الحج صحيح والعمرة صحيحة إن شاء الله. ---------------------------------------------------------------------------------------------------- لزوم المحرم للمرأة في سفر الحج امرأة قد حجت حجة الفرض ولكنها تريد أن تحج عن والديها هل لا بد لها من محرم أم لا؟ نعم، لا بد للمرأة في سفر طويل أن يكون معها محرم لقول النبي (ص):(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوما وليلة إلا مع ذي محرم)، وبالنسبة لمن ليس محرما وإنما يزعم الناس أنه محرم فيه كذب وشهادة زور وهو أشد من سفرها بدون محرم شرعا. ---------------------------------------------------------------------------------------------------- من مرض قبل طواف الوداع لقد كنت حاجة ومرضت وأديت المناسك كلها إلا طواف الوداع اشتد علي المرض بعد أداء شوطين منه، فماذا علي؟ أنها ليس عليها شيء فالراجح أن طواف الوداع غير واجب، والذين يرون وجوبه أيضا لا يرونه نسكا من أنساك الحج ولا العمرة، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لصفية بنت حيي رضي الله عنها أن تنفر بعد أن أفاضت لأنه دخل عليها وهي تبكي فقال: «حلقى عقرى أحابستنا هي، فقيل: إنها قد أفاضت قال: فلتنفر إذا»، فدل ذلك على أنه ليس نسكا من أنساك الحج لأنه يسقط بالحيض، ومثل الحيض المرض الشديد ونحو ذلك. ---------------------------------------------------------------------------------------------------- الاختلاط في الحج هل اختلاط الرجال مع النساء في الرمي يسقط الحج أم لا؟ لا، فقد أمر الله تعالى بالحج وجعله ركنا من أركان الإسلام وقال فيه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران] وقد صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال على المنبر: لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هؤلاء الأمصار فلينظروا من فيهم ممن استطاع الحج فلم يحج فليفرضوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، وصح عن علي رضي الله عنه أنه قال على المنبر: ومن كفر فإن الله غني عن العالمين، من استطاع الحج فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا، فلذلك الحج ركن من أركان الإسلام، ولا يتم إسلام الإنسان إلا به إذا كان قادرا عليه، ولا يمنعه ما يحصل فيه من الاختلاط، ولا يمنعه أيضا ما يتوهمه بعض الناس من أنه يؤدي إلى ترك القيام في الصلاة مثلا إذا كان سيصلي في الطائرة ولم يستطع القيام، أو يؤدي إلى صلاتها بالتيمم وهو عاجز عن وجود الماء، وقد ذكر بعض المتأخرين ما يشير إلى ذلك لكنه غير مسلم، وما قاله العلامة محمد مولود رحمة الله عليه في قوله: * فريضة الحج إذا أدت إلى** إيقاعها بالنجس صارت حظلا* هذا قول حكاه عن بعض أهل العلم وهو غير صحيح ولا مسلم، فإن فريضة الحج تقارن بصلاة الإنسان طيلة عمره لأنه فرض مرة واحدة في العمر، والصلاة متكررة في العمر، فالحج لا يقارن بصلاة واحدة بل يقارن بصلاة الإنسان مدة حياته ---------------------------------------------------------------------------------------------------- الاستطاعة ومتعلقاتها هذا سؤال عن نازلة صورتها امرأة زفها أبوها إلى زوجها ببقرة ونمت تلك البقرة عند الزوج حتى أنتجت عدة بقرات علما بأن الزوج كان يقوم بمصالح البقرات من سقي ورعي وعلف في الفترات التي تعلف فيها الماشية، وكان ينتفع بغلتها فهل تعتبر المرأة المذكورة ملية فتجب عليها فريضة الحج أو لا تجب لأن للزوج نصيبا في تلك البقرات؟ أن الزوج ليس له نصيب في تلك البقرات إلا إذا كان أشهد قبل الإنفاق على رجوعه عليها بما ينفق على بقراتها، فإن كان ينفق عليها مروءة فلا يملك بذلك شيئا، فالبقرات ملك لها هي، وإن كانت تبلغ ثمن تكاليف الحج فإن ذلك يوجب عليها الحج إن وجدت رفقة مأمونة واستطاعت أن تبيعها بما يكفيها، فإن الله تعالى اشترط للحج الاستطاعة في قوله: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} واشترط ذلك النبي (ص)وبين الاستطاعة وهي الزاد والراحلة والسبيل السابلة، الزاد والراحلة أي ما يكفي الإنسان ذهابا وعودة، والسبيل السابلة أي الأمن على النفس والمال في الطريق. ---------------------------------------------------------------------------------------------------- نبذة عن الحج والعمرة في رمضان أرجو منكم نبذة سريعة عن العمرة في رمضان و الاعتكاف فيه؟ أن العمرة أمر الله تعالى بها مع الحج فقال تعالى: ﴿و أتموا الحج و العمرة لله﴾ و قد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها واجبة مرة في العمر و هي تكفير لما بينها و بين العمرة الأخرى كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» و هي سبب كذالك للغنى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج و العمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكير صدأ الحديد» و من كان قادرا عليها فإنه يستجيب لنداء الله سبحانه و تعالى عندما أمر إبراهيم بذالك النداء فقال: «أيها الناس إني بنيت لله بيتا فحجوه» فالحج في وقته و العمرة في سائر السنة و العمرة في رمضان بالخصوص أجرها مثل أجر الحج لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان كحجة معي» و على الإنسان إذا استطاعها أن يبادر إليها و هي أفضل من الصدقة بثمن التذكرة مثلا إذا كان الإنسان يجد كل شروطها، إذا كانت المرأة تجد محرما و تجد زادا حلالا تعتمر منه فهي أفضل لها و هي من جهاد النساء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «جهاد لا قتال فيه الحج و العمرة» أما الاعتكاف فهو العكوف في مسجد من المساجد في وقت الصوم للعبادة و هو قصر من الإنسان لنفسه على الطاعة أن يفرد نفسه لله فكأنه خرج من الدنيا و أهلها و قصر نفسه على الطاعة في المسجد و هو من أبلغ القربات و الطاعات التي يتقرب بها إلى الله و كان النبي صلى الله عليه و سلم يعتكف في رمضان و فقد اعتكف في العشر الأوائل منه فأتاه جبريل فقال: «إن الذي تطلبه أمامك» فاعتكف في العشر الأواسط فقال: «إن الذي تطلبه أمامك» فاعتكف في العشر الأواخر منه و لم يزل بأبي هو و أمي يعتكف في العشر الأواخر حتى قبضه الله عز و جل و الاعتكاف عبادة عظيمة لأنها تقتضي من الإنسان أن لا يشتغل بأي شيء من أمور الدنيا لا بتجارة و لا وظيفة و لا عمل فيشتغل بالعبادة و أنواعها و لا يخرج من المسجد إلا لضرورة كقضاء الحاجة و الوضوء أو الأكل الذي هو محتاج إليه، و الأكل الخفيف أو الذي لا يترك أثرا في المسجد يجوز أن يأكله في المسجد ---------------------------------------------------------------------------------------------------- من وعده مسؤول في الدولة بأن يحج معه هل يسوغ له قبول ذالك؟ إذا كان ذالك المسؤول من الأغنياء الذين ما لهم حلال و من المعلوم أنه لا يأخذ المال الحرام و لا يختلس من أموال الدولة فوعد الإنسان من غير مسألة و لا استشراف نفس بأن يدفع عنه تكاليف الحج فهذا يوجب عليه الحج لأنه استطاعة فالاستطاعة بالزاد و الراحلة و السبيل السابلة و إن كان هذا المسؤول من المعلوم أنه من الذين يأخذون المال الحرام فيختلس من أموال الدولة و نحو ذالك فلا يجوز تبرعه لأن الذي يتصرف فيه ليس له و مثل ذالك من غلب على ماله الحرام فهو مثل من كان ماله جميعا حرام و عكسه أيضا من كان جل ماله حلالا و لو كان في ماله بعض الحرام فالعبرة بالأكثر هذا الذي قعده أهل العلم في هذه المسألة و قد تشدد فيها الإمام الغزالي رحمه الله في باب الحلال و الحرام من الإحياء فقد عقد بابا طويلا في هذه المسألة في مخالطة من تحل مخالطته و من تحرم فذكر أن من جل ماله حرام مخالطته حرام مطلقا و من جل ماله حلال مخالطته حلال على الراجح و من يجهل أصل ماله فالأصل الإباحة و لكن الغزالي تشدد فذكر أن من يأكل الربا مثلا لا يجوز التعامل معه حتى في المعاوضات تعاملا غير ربوي و هذا تشدد و لعله في مذهب الشافعية فلهم قواعد في هذا الباب تختلف عما للجمهور فالراجح التفريق بين عقود التبرعات و عقود المعاوضات فعقود المعاوضات يجوز لك أن تتعامل حتى مع اليهود لكن لا يجوز لك الربا معه فقط إلا عند الحنفية في دار الحرب يجوز لك أن تتعامل معه معاملة غير ربوية و قد عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم عند ما كانوا من رعايا الدولة الإسلامية و توفي و درعه مرهونة عند يهودي عند ما كانوا من رعايا الدولة الإسلامية يقدمون الجزية إليها أما اليهود الغاصبون مثلا الموجودون في فلسطين فلا يحل التعامل معهم مطلقا لا بالمعاوضة و لا بالتبرع لأن كل ما يشجعهم ويزيد أموالهم هو مشاركة في الإعتداء على المسجد الأقصى و أهله و هو مشاركة في الاعتداء على حرمات المسلمين و تدنيس مقدساتهم فإذا اليهود الذين تجنسوا بجنسية الدولة العبرية الموجودة الآن في فلسطين لا يجوز التعامل معهم مطلقا حتى لو كانوا سفراء أو بعثات أجنبية في الخارج لا يجوز استئجار المنازل لهم و لا السيارات و لا العمل معهم بأي وجه من الوجوه و لا مخالطتهم لا بعقود التبرعات و لا بعقود المعاوضات و أما اليهود الذين هم في أمريكا أو في فرنسا أو في بريطانيا أو غير ذالك و في المغرب مثلا و الذين لا يشاركون في إقامة الدولة في فلسطين فهؤلاء يجوز التعاقد معهم بالبيع و الشراء منهم و نحو ذالك لكن لا يجوز للإنسان عقد ربوي معهم و الغزالي في تشدده رأي أن المسلم الذي يتعامل بالربا لا يجوز التعامل معه مطلقا و هذا حرج شديد لو أخذ به في زماننا هذا لأنه قل من التجار إلا من رحم الله من ينجوا من الربا بل ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيعم في آخر الزمان فمن لم ينل منه ناله من غباره و هذا الذي نشهده الآن من انتشار الربا فلو أخذ بقول الغزالي في هذا الباب لسد ذالك الطريق على كثير من المعاملات و ضيق و حجر واسعا على المسلمين فلا أر الأخذ به لكن إذا كان التعامل نفسه صحيحا و كان من عقود المعاوضات فيجوز التعامل مع الشخص الذي يتعامل بالربا إذا تعاملت معه تعاملا غير ربوي تعاقدت معه اشتريت منه سيارة عقدا غير ربوي مثلا و أنت تعلم أنه هو يتعامل مع غيرك بالربا فهذا العقد الراجح فيه الجواز هذا الذي يبدو لي و الله أعلم. أما الأخذ منه و هو مراب آكل للربا الأخذ منه بالتطوع بعقود التبرعات فهذا الذي لا يجوز إلا الشيء اليسير جدا مثل ضيافته إذا نزلت ضيفا على شخص مراب فيجوز أن تأكل ضيافته فقط أما إذا أهدى إليك فلا تأخذ هديته و قد حصلت قضية في تونس في دولة الحفصيين لبعض علماء المالكية ذكرها العدوي في حاشيته على شرح الخرشي على مختصر خليل فذكر أن الأمير أمير الحفصيين إذ ذاك بتونس دعا أربعة من كبار علماء المالكية إلى طعام و كان هذا الأمير جائرا ظالما فلما اجتمعوا عنده و ضعت المائدة بين أيدي العلماء فاختلفوا أما أحد العلماء فقد امتنع من الأكل و قال بيس الطعام هذا يدعا إليه الأقوياء و يمنع من الوصول إليه الضعفاء و ذكر أنه ظلم و امتنع من أكله و آخر امتنع من أكله لكن بحجة قال أنا صائم و أريد ما بقي من الطعام آخذه معي للإفطار في بيتي فأخذه يريد توزيعه على الفقراء و طلبة العلم و الثالث أخذ فقط ثلاث لقم صغيرة و كف و الرابع أكل كثيرا حتى شبع فلما خرجوا من عند السلطان سأل كل واحد منهم صاحبه عن فعله فأما الذي امتنع قال عرفت أنكم ستداهنون في هذه المسألة و لا بد من إسماع السلطان صوت الحق فصارحته به و أما الذي قال إني صائم قال هذا تخليص مستهلك من مال قدرت عليه بحيلة فإذا لم أفعل فسأضمنه للفقراء فيجب علي ضمانه للفقراء لأنه من مالهم و قد قدرت على استخلاصه من هذا الظالم فإذا لم أفعل فسأضمنه لهم و أما الذي أكل ثلاث لقم فقط فقال هذا نصيبي من بيت المال هذا أقله فأخذت حقي و لم أتجاوزه و أما الذي أكل كثيرا فقال هذا المال قد استهلك و هو بيد هذا الظالم و سيستعين به على المعصية فأردت أن أضايقه فيه و آخذ منه أكبر ما أستطيع حتى لا يستطيع التقوي به على الظلم فكل واحد من الفقهاء أتى بمخرج لفعله. ------------------------------------------------------------------------------------------------- من أراد أن يجلس من العمرة إلى الحجة كيف يكون نسكه وهل من أراد أن يجلس من العمرة إلى الحجة كيف يكون نسكه و هل ينوي العمرة و الحجة معا؟ أم يلبي بالعمرة وحدها؟ إذا كان ذالك في أشهر الحج فعليه أن يلبي بعمرة متمتعا بها إلى الحج و إن كان في غير أشهر الحج كالآن مثلا إذا أحرمت بعمرة الآن و هي تريد الجلوس في مكة إلى وقت الحج فإنها تعتمر فقط و تجلس فتكون \"مكية\" أي من أهل مكة فإذا جاء وقت الحج أحرمت من مكة و ليس عليها طواف القدوم و تؤخر السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة و لا يلزمها دم التمتع لأنها مكية فكل من سكن مكة قبل دخول أشهر الحج فقد أصبح من أهلها. ---------------------------------------------------------------------------------------------------- حكم من يخاف من التسفير إذا حضر صلاة الجمعة من اعتمر ينوي انتظار أداء حجة الإسلام إذا ذهب إلى الجمعة يخاف التسفير فهل تسقط عنه الجمعة؟ إن استطاع أن يقتدي بالإمام في مكانه كأن يكون في مكان يسمع منه الخطبة و الصلاة فليقتد بالإمام في ذالك المكان و إن لم يستطع فهو معذور و عليه حينئذ أن يكون له ورد من الموعظة ينوب له مناب خطبة الجمعة فخطبة الجمعة هي تغذية القلب وهي الذكرى وهذه الذكرى أمرها عظيم لأنها تغذية القلوب فعلينا أن نحرص عليها كما يحرص الناس على طعامهم و شرابهم، الذي يمكث أسبوعا كاملا لم تقطر له دمعة من خشية الله و لم يتعظ سيقسو قلبه و يمكن أن يسمع القرآن كاملا و لا يبكي يقسوا قلبه و لذالك ما يشكوه الناس الآن من قسوة القلوب كثير من الناس يأتي للمسجد فيقرأ الإمام جزءا كاملا أو جزأين من القرآن يسمع فيها مواعظ لو سمعتها الجبال لتفجرت بالماء من الموعظة ﴿لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله و تلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون﴾ و لكنه هو لا تقطر له دمعة و لا يرتجف له قلب و لا يقشعر له جسم كأنه ما سمع القرآن هذا قد غطي عليه بابتعاده عن الموعظة لكن إذا كان الإنسان يراجع الموعظة دائما فإنها تكتسح عنه ذالك الوحل و الوسخ لأن القرآن من طبعه هذا التأثير كما قال الله تعالى: ﴿الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله ذالك هدى الله يهدي به من يشاء﴾ فإذا لم يقشعر جلد الإنسان للقرآن فليعلم أنه مصاب بهذا الداء و علاجه هو بمراجعة الموعظة حتى يتأثر و يتعظ و حينئذ سيجد هذه اللذة العجيبة في الخشوع ثم بعد هذا لا شك أن هذه الذكرى أيضا إذا انقطع عنها الإنسان مدة فسيصعب عليه مراجعة المقام الذي بلغه منها إذا كان الإنسان يتعظ الآن فتقطر دمعتاه و ينتفض قلبه و يخشع لله و يقشعر جسده ثم انقطع عن الذكرى مهلة فسينتقص بعض هذه الأوصاف لديه فلذالك لا بد ألَّا ينقطع الإنسان عن الذكرى فالجمعة حكمة مشروعية الخطبة فيها هو هكذا أن يكون للإنسان تغذية قلبية أسبوعية يسمع فيها الموعظة. ---------------------------------------------------------------------------------------------------- متى يكون الحج واجبا على الشخص و ما هو التعريف التام للاستطاعة في هذا العصر؟ هذا السؤال متى يكون الحج واجبا على الشخص و ما هو التعريف التام للاستطاعة في هذا العصر؟ إن الله سبحانه و تعالى يقول: في كتابه ﴿و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا و من كفر فإن الله غني عن العالمين﴾ وقد ربط الله تركه بالكفر فقال:﴿و من كفر فإن الله غني عن العالمين﴾ و قد صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال على المنبر:«لقد هممت أن أبعث رجالا إلا هؤلاء الأمصار فلينظروا من فيهم ممن استطاع الحج فلم يحج فليفرضوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين» و صح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال على المنبر من استطاع الحج فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا فلذالك على المسلمين إذا استطاع أحد منهم الحج أن يبادر إليه فقد أخرج عبد الرزاق في المصنف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« من استطاع منكم الحج فليبادر فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتعرض الحاجة» وقد أخرج هو أيضا في المصنف وأبو داوود في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال«حجوا قبل أن لا تحجوا قالوا يا رسول الله وما شأن الحج فقال يجلس أعرابها على أعقاب أوديتها وفي رواية على أذناب أوديتها فلا يصل إلى البيت أحد» فعلى من استطاع الحج أن يكمل اسلامه وأن يعلم أنه لا يرضى لنفسه أن يسكن في بيت قد هدم جانب من جوانبه و أنتم تعلمون أن الإسلام مبني على هذه الأركان الخمسة فهو بمثابة البيت المبني والبيت المبني إذا كان جانب من جوانبه مهدوما هل يضع فيه أحد منكم أملاكه وأمواله وما يحب حفظه أبدا فلذالك لا بد أن يحرص الإنسان على إكمال إسلامه و إتمام أركانه فمن استطاع ذالك فعليه أن يبادر والاستطاعة عرفها صلى الله عليه وسلم بأنها الزاد و الراحلة والسبيل السابلة الزاد ما يتزود به الإنسان والراحلة ما يركبه و يوصله و السبيل والسابلة أي الأمن على النفس والمال حتى يصل الإنسان إلى المشاعر. |
آخر تحديث للموقع: الثلاثاء, 12 نوفمبر 2024 13:54