محاضرة : قد أفلح من زكاها
*محاضرة لفضيلة الشيخ .. جاء فيها بعد حمد الله والثناء عليه ..:
• لقد أراد الله بحكمته البالغة أن تكون هذه الدار دار امتحان وعمل وأن تكون الآخرة دار جزاء وإعلان للنتائج " فريق في الجنة وفريق في السعير ".
• وقد جعل الله الإنسان(نكتة) العالم فسخر له ما في هذه الحياة الدنيا و هداه السبيل وجعله خليفة في الأرض وجعله مؤلفا من ثلاثة عناصر هي :العقل الذي به شرفه على سائر الحيوانات ، والروح التي هي نفخة غيبية من أمر الله ، والجسم الذي هو من تراب .. وعلى أساس هذه العناصر الثلاثة جاء ترتب الدين .
• فالإيمان خطاب للعقل ، والإسلام خطاب للبدن ،والإحسان خطاب للروح وهي مجتمعة لا تقبل التجزئة ولا التفرقة فلذلك يشملها جميعا اسم الإيمان ويشملها جميعا اسم الإسلام ويشملها جميعا اسم الدين كما ان الإنسان كل لا يتجزأ بروحه وعقله وجسمه ..وهذا التقسيم إنما هو للتفهيم .
• وقد جعل الله الإنسان بين خلقين : خلق نوراني لا شهوة فيه وهم الملائكة :{ يسبحون الليل والنهار لا يفترون } ..وخلق بهيمي لا عقل فيه وهو البهائم ..
• فإذا ترقى الإنسان في الكمالات كان في مقام الملائكة فأُعين على الطاعة وارتاح إليها ... وقد وقع للصحابة من المتعة والمشاهدة لأنوار العبادات صور ومواقف ملهمة .
• وفي الحديث : " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة" .
• وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مستوى القراء الذين يقرؤون القرآن على وجهه الصحيح كما أنزل فقد ثبت عنه في صحيح البخاري أنه قال : " الذي يقرأ القرآن ولا يُتعتع فيه وهو عليه غير شاق مع السفرة الكرام البررة " وهم من أشرف الملائكة لأنهم أمناء الوحي .
• وقد ضرب الله مثلا لمن فرط في الأمانة وأعرض عن الرسالة بالكلب والحمار وهما من أخس البهائم فإلى حالهما يؤول حال من لم ينتفع بالقرآن ولم يرفع بهدى الله رأسا .
• وفرصة الاختيار هي هذا العمر :" إنا هديناه السبيل إمَّا شاكرا وإمَّا كفورا" ...فإذا مات ابن آدم انقطع عمله واختياره وانتهت مدة الامتحان .. وفي الحديث القدسي :" يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "
• وقد أسم الله أحد عشر قسما على فلاح من زكّى نفسه و على خسران من دساها وذلك في سورة " الشمس " {والشمس وضحاها }.
• والفلاح : صلاح الدنيا والآخرة ..والتزكية تكون بالتطهير والتخلية من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق وبعد التطهير التحلية والتنمية بكل خلق كريم وفعل جميل ..وذلك درجاتٌ كما قال تعالى :" هم درجات عند الله ".
• ...ومن ذكره الله فيمن عنده فقد وصل إلى أعلى درجات الكمال ؛إذ لا يمكن للمخلوق أن يعلو فوق ذكر الله سبحانه وتعالى له ... وأهل القرب من الله لهم نفحاتٌ وأماراتٌ..
• ومن هذا التقريب مباهاة الله بعباده فمن قربه سبحانه وتعالى من خلقه يباهي به ويدنيه ؛ ولذلك ثبت في الحديث القدسي الصحيح .." أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خير منه وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة "
• و من نفحات التقريب أن الله يحفظ الذين يشرفهم بالقرب منه من المعاصي ..فلا تقسو قلوبهم وتكون لينة ..ودعاء الملائكة المقربين ومنهم حملة العرش يدعون للمؤمنين بأن يقيَهم الله السيئات ..{ وقِهِمُ السيئاتِ}.
• ومنها : استجابة الدعاء وعصمة الجوارح من الوقوع في المعصية .." وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه..."
• ..وهذا التقريب العظيم ليس محصورا في زمان ولا مكان ولا بأهل ملة ولا بأهل عصر ؛ فبإمكان من كان في آخر الزمان من أمثالنا أن يكون من المقربين عند الله سبحانه وتعالى .." ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ".
• وهذا التقريب جائزة الأعمال الصالحة وهومن بركات الاستقامة ..
• وما يجده الإنسان في الأعمال السيئة من ثقل النفس وتكاسل عن الطاعة وقسوة في القلب .. فكل ذلك من شؤم الذنوب والمعاصي.
• فلهذا يحتاج الإنسان للحرص على أن يقربه الله و أن يجعل ذلك أولوية لديه ..و أول ذلك الشعور بالمنافسة فتمثل قول موسى بن عمران " وعجلت إليك رب لترضى".. فاحرص على أن تعمل أعمالا يتوقف دونها الآخرون وتنقطع بهم الآمال دونها ... وتوجه إلى الله ابتغاء مرضاته وطلب ما عنده .
• ..و كثيرهم أولئك الذين يفتح الجبار سبحانه وتعالى أبوابه أمامهم على مصاريعها فيولُّونها ظهورهم ويدبرون عن الله والله غني عنهم ..وفي حديث النهي عن التفات المصلي "..يا ابن آدم إلى من تلتفت أنا خير مما التفت إليه" .
• الخطة التربوية للتزكية :
• للناس في خطة التربية تجارب كثيرة والأمر فيها مفتوح ومرن ، وكل يصلح له من الدواء ما لا يصلح لغيره ، والناظم المشترك الذي يجمع جميع الراغبين في القرب من الله تعالى هو :
• *التوبة الصادقة والإنابة إلى الله قبل فوات الأوان وحلول الأجل.
• *وبعد التوبة التخلص من صفات المنافقين والتفتيش في زوايا النفس عنها واستنطاق القرآن في أوصافهم بغية البعد عنها والحذر منها ...فتضع النواهي ومساوئ الأخلاق في موضع الكره والبغض من العاطفة .
• *ثم إذا استقامت لك الجوارح وهجرت صفات المنافقين فانتقل إلى المنافسة والمسارعة إلى الخيرات بإتقان الفرائض والإكثار من النوافل وأول ذلك فريضة الصلاة ونوافلها ..ثم في الصيام كذلك ..وفي الإنفاق ..
• وأداء الطاعة مثله مثلُ كل مهارة تمارسها في البداية بتعب ومشقة وجهد مضاعف ثم تكون لك كالنفس بعد التعود والتذوق " أرحنا بها يا بلال "
• قال المواق رحمه الله في استغلال الوقت والعناية باللحظة :" حقوق الأوقات لا يمكن قضاؤها إذ ما من وقت يمُرّ إلا ولله عليك فيه خطاب جديد ، وأمر أكيد ، فكيف تقضي فيه حق غيره وأنت لم تقض حق الله فيه ".
• ... ثم حاول أن تتلمس أسرار الطاعات وتتذوق طعم العبادات من قرآن وتسبيح وتهليل ودعاء وركوع وسجود ،فانفُخ في كل ذلك روح الجدة ومعنى الإقبال وإياك والتبلد وجفاف العاطفة .
• ... وافرح بقربك من ربك " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ".
• ... وقاوم وساوس الشيطان وتلبيس إبليس فإنه يحاربك على مراتب ودوائر ولا ييأس منك .
• وتذكر أن في عنقك بيعة مع الله وامانة في نصرة دين الله : "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة ".
• ومن أصول التربية : الحذر من النفاق ؛ فما خافه إلا مؤمن وما أمنه إلا منافق .
• ولا يزال المؤمن يتهم نفسه ويفتش في أعمالها حتى يُحتضر فيغلب الرجاء وحسن الظن بالله لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ".
• *فإذا حسنت علاقتك بالله وتجنبت الآثام وتحليت بصفات المؤمنين وتخليت عن صفات المنافقين ، فطهر أخلاقك وزكها
• ففي الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ".
• ..وتظل على الدوام في ترقٌّ ومراجعة واكتشاف لما يحدث من الخلل في الأخلاق والمعاملات ، كمثل ما تعمل فحصا دوريا تكتشف به علل الجسم وأدواءه ونسبها ومقاديرها .
• ومن أكبر العون على الفحص والترقي في مدارج الإيمان والأخلاق : الأخوة الصادقةُ ؛ فإنك تكتشف بها بعض ما خفي عليك كما قال الشاعر:
• الخل كالماء يبدي لي ضمائره * مع الصفاء ويخفيها مع الكدر.
• "ومثل الجليس الصالح كحامل المسك".
- القسم: التزكية
- تحميــل
- المشاهدات:9375
آخر تحديث للموقع: الاثنين, 25 نوفمبر 2024 20:04