ما حكم التوسل بشخص النبي صلى الله عليه وسلم؟

ما حكم التوسل بشخص النبي صلى الله عليه وسلم؟ إن الله تعالى قد شرف رسوله صلى الله عليه وسلم غاية التشريف و أعلا منزلته و جعله أفضل خلقه وأكرمهم عليه وأحبهم إليه عز وجل وجعله خليله و صفيه و حبيبه ونوه بمنزلته في كتابه في سور من القرآن فقال تعالى: ﴿ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك و رفعنا لك ذكرك﴾ وقال تعالى: ﴿والضحى و الليل إذا سجى ما ودعك ربك و ما قلى و لا الآخرة خير لك من الأولى و لسوف يعطيك ربك فترضى﴾ وقال تعالى: ﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و يتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا﴾

وجعله الله سبحانه وتعالى ذا المقام المحمود و الحوض المورود وصاحب لواء الحمد يوم القيامة و صاحب الشفاعة الكبرى التي يدخل فيها آدم ومن دونه فكل هذا من إعلاء الله لمنزلة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يختلف فيه اثنان من المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم لكن ليس معنى هذه المنزلة أن يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر الله عز وجل أو أن يتعدى به ما شرع فمن تمام توقيره صلى الله عليه وسلم ومحبته أن ننطلق في التشريع وفي العبادة وفي العمل مما جاء به فإنه لم يترك خيرا إلا دلنا عليه و لم يترك شرا إلى حذرنا منه و كلما لم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم فلا خير فيه قطعا ومن زعم ذلك فليس من الموقرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أمرنا بتوقيره و إجلاله وتعظيمه وافترض علينا ذلك و افترض علينا محبته وجعلها شرطا في الإيمان به سبحانه وتعالى و لا يمكن ذلك إلا باتباعه فمن زعم أنه يحبه وخالف ما جاء به أو أراد الإبتداع في دينه أو الزيادة عليه فمعناه أنه يظن أن الدين ناقص وأن الله لم يكمله للنبي صلى الله عليه و سلم أو يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خان أمته فكتم عنهم بعض دينه و معاذ الله أن يكون ذلك فهو الصادق المصدوق الأمين الذي هو معصوم لا يتهم فكل ما أمره الله ببيانه قد بينه و كل ما أمره بتبليغه قد بلغه وقد شهد له الله بذلك فقال:﴿فتول عنهم فما أنت بملوم﴾ فليس مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم التوسل بشخصه صلى الله عليه وسلم و ذاته لم يبين ذلك لأمته وإنما بين لهم التوسل في الدعاء بثلاثة أمور: الأمر الأول: التوسل بأسماء الله الحسنى و صفاته العلى فإن الله ارتضى لعباده أن يتوسلوا إليه بذلك فقال تعالى:﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾ وقال صلى الله عليه وسلم في حديث الأنصاري: « اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت ديان السماوات و الأرض» وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك» وكذلك في دعاء الإستخارة «اللهم إني أستخيرك بعلمك و استقدرك بقدرتك و أسألك من فضلك فإنك تعلم و لا أعلم وتقدر و لا أقدر و أنت علام الغيوب» فهذا التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى وهذا لا غبار عليه ولا يختلف عليه اثنان وهو نص في القرءان و في السنة. النوع الثاني: من أنواع التوسل في الدعاء التوسل بعمل صالح عرف العبد إخلاصه فيه لله تعالى حتى ولو كان شيئا يسيرا فأحدكم الآن يجلس هنا و يعرق في المسجد ينتظر الصلاة بعد الصلاة و يسمع كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم يريد بذلك الثواب عند الله ويريد به الدار الأخرة فإن كان صادقا في نيته تلك فهذا عمل خالص لله يمكن أن يتوسل به فيتوسل إلى الله بجلسته هذه ليقضي له حاجة معينة فإن الله سيقضيها له و لا يرده قطعا ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿ربنا إننا آمنا فاغفر لنا و ارحمنا وأنت خير الراحمين﴾ فهؤلاء الذين ارتضى الله أعمالهم توسلوا إلى الله بأعمالهم التي أخلصوا فيها لله و من أعمالهم إيمانهم به و كذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة خرجوا في طلب الرعي فألجأهم المطر إلى غار فلما دخلوه سقطت صخرة فسدت عليهم الباب حتى ما يرون شيئا فقالوا إنه لا ينجيكم اليوم إلا أعمالكم فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان كنت بهما برا وكنت لا أغبق قبلهما أهلا و لا مالا فأبعد بي الرعي يوما فأتيت وقد ناما فاحتلبت عشاءهما فوقفت به عند رأسيهما مخافة أن أوقظهما و أولادي يتضاغون عند رجلي حتى أصبحا فقاما فشربا عشاءهما فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة شيئا غير أنهم لا يستطيعون الخروج فقال الأخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كانت لي ابنة عم كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء وكنت أراودها عن نفسها فتمتنع وتتأبى حتى جاءت سنة شديدة فافتقرت فأتتني فعرضت علي نفسها فأتيت بالدنانير فوضعتها بين يديها فلما كنت منها مكان الرجل من امرأتة قالت: لي يا عبد الله اتق الله ولا تفك الخاتم إلا بحقه فقمت عنها وتركت لها المال فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة شيئا غير أنهم لا يستطيون الخروج: فقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجراء فأديت إليهم حقوقهم فأما اثنان فاستاقا حقهما وأما الأخر فتركه وذهب فلم أزل أنميه له حتى كان وادي من النعم فأتاني فقال يا عبد الله اتق الله وأد إلي حقي فقلت كلما في هذا الوادي من حقك فقال أتهزأ بي فقلت لا بل هو من حقك فاستاقه ولم يترك منه شيئا فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرجع عنا ما نحن فيه فسقطت الصخرة وخرجوا يمشون فهؤلاء توسلوا إلى الله بأعمال علموا أنهم أخلصوا فيها لله عز وجل فأستجاب الله دعاءهم وحقق رجاءهم. النوع الثالث من أنواع الوسائل التي شرعها الله لعباده في الدعاء التوسل بدعاء عبد مؤمن تسأله أن يسأل الله لك فقد أرشد لذلك الله تعالى في قوله: ﴿وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم﴾ صل عليهم أي ادع لهم إن صلاتك أي دعاؤك سكن لهم وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر بن الخطاب في صحيح مسلم أنه قال: «يقدم عليكم أويس القرني في أمداد اليمن وهو رجل كان به وضح أي برص فشفاه الله إلا موضع إصبع. له أم هو بها بر فإذا قدم عليكم فمن لقيه منكم فليسأله أن يستغفر له» فهذا إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه إذا قدم عليهم أويس القرني أن يسألوه الدعاء فدل هذا على مشروعية سؤال من تراه مؤمنا من عباد الله أن يدعو لك والتماس الدعاء في مثل ذلك كثيرا ما يستجاب فلسان الداعي لم تعص الله به فأنت لم تعصه بذلك اللسان وهو يدعوا لك فيستجاب و بالأخص ما كان من ذلك عن ظهر غيب فإنه يستجاب لا محالة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا دعى الإنسان لأخيه بظهر الغيب كان عند رأسه ملكان يقولان له آمين ولك بمثله» فهذا دعاء الملائكة الذي لا يرد فلذلك ليس التوسل بشخص النبي صلى الله عليه وسلم مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ولا مما أرشدنا إليه وليس معنى هذا أنه ليس له جاه عند الله بل هو أعظم عباد الله جاها عند الله لكن مع ذلك لم يرشدنا هو إلى هذا ونحن لا نتهمه فما من خير إلا دلنا عليه ولو كان في ذلك خير لأرشدنا إليه.

 

الاثنين, 20 ديسمبر 2010 10:19
 

آخر تحديث للموقع:  الجمعة, 12 أبريل 2024 20:59 

النتائج النهائية لمسابقات دخول المركز

اشترك في القناة

موقع مركز تكوين العلماء

برامج تلفزيونية

جديد الموقع

إحصائيات

المتصفحون الآن: 82 

تابعونا علــــى:

تابِع @ShaikhDadow