الكلام على المهدي

ذكرتم بعض الأشراط الكبرى والصغرى فهلا حدثتمونا عن المهدي على القول به؟

بالنسبة للمهدي الذي يخرج في آخر الزمان ورد فيه ألف وخمسون حديثا عن رسول الله (ص)، ولم يصح منها إلا أربعة أحاديث ولم يرد له ذكر في الصحيحين باسمه، وإنما جاء في صحيح مسلم في حديث نزول المسيح عيسى بن مريم أنه ينزل وقت صلاة الفجر عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيجد الصلاة قد أقيمت وإمامكم منكم ولم يسم هذا الإمام، لكن كثيرا من الناس يشرحون هذا الحديث ويقولون إن هذا الإمام الذي أقيمت الصلاة له هو المهدي عليه السلام،

والأحاديث الصحيحة في المهدي منها ما أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما بإسناد صحيح أن رسول الله (ص) قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي يوافق اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا» وجاء عنه أنه (ص) قال: «المهدي من ذريتي» وفي رواية من ولد فاطمة يملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا، وفي حديث آخر أنه يصلحه الله في ليلة فيبايع عند موت خليفة على حال افتراق الناس فيدعونه للبيعة في المدينة فيفر منهم إلى مكة فيدركونه فيبايعونه بين الركن والمقام، فهذه الأحاديث صحيحة، وفيها أيضا حديث آخر قريب من الصحة وهو أنه يشبه خُلُقَ الرسول (ص) ولا يشبه خَلْقَه، وكل ما عدا هذا من الأحاديث التفصيلية فهو ضعيف لا تقوم به حجة، وعموما فإن رسول الله (ص) أخبر أن خلافة على منهج النبوة ستكون في آخر هذه الأمة، فقد أخرج أحمد والحاكم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) قال: تكون فيكم النبوة ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهج النبوة ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهج النبوة وسكت. وكذلك فإن المبشرات المذكورة في قول الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور 55]  وكذلك في قوله سبحانه وتعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} [الحج] كل هذا يقتضي وجود خلافة على منهج النبوة في آخر الزمان، وهذه الخلافة بدايتها خروج هذا الرجل من آل بيت رسول الله (ص)، وسيملك سبع سنين كما جاء في بعض هذه الأحاديث وإن كان ضعيفا، إلا أن كثرة طرقه يستأنس بها لذلك، لكن اختلف هل يحكم الأرض كلها أو يحكم بعضا منها فقط، وهذا الرجل سيولد في آخر الزمان وليس من المبقين ولا من الذين عاشوا في الصدر الأول، بل سيولد ويكون في بداية عهده إنسانا عاديا مثل غيره، لكن يصلحه الله في ليلة واحدة، وظاهر قوله (ص) يصلحه الله في ليلة أنه لم يكن صالحا قبل ذلك، وأما ما يزعمه الإمامية من أن المهدي أحد الأئمة المعروفين وأنه سيرجع إلى الدنيا مرة أخرى واقتضى هذا منهم القول بالرجعة فإنه من التناقض الذي لا حجة عليه، بل هو مخالف لقول الله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)} [المؤمنون]، ولهذا تناقضوا واختلفوا، فقالت طائفة منهم: هو علي بن أبي طالب وقد رفع إلى الغمام، وهو الذي في السحاب وسينزل في آخر الزمان، وهذا القول بين الفساد فعلي رضي الله عنه قتل شهيدا في اليوم السابع والعشرين من رمضان ودفن بالكوفة، وكذلك قالت طائفة أخرى هو محمد بن الحنفية ثالث أولاد علي بن أبي طالب، وزعموا أنه اختفى في جبل رَضْوَى وفي هذا يقول كثير بن عبد الرحمن:

ألا إن الأئمة من قريش** حماة الدين ليس بهم خفاء

علي والثلاثة من بنيه** هم الأسباط ليس لهم كفاء

فسبط سبط إيمان وعدل** وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى** يقود الخيل يقدمها اللواء

تغيب لا يرى فيهم زمانا** برضوى عنده عسل وماء

فهذا تكذيب للسابق، ثم جاءت طائفة أخرى فزعموا أنه ابن للحسن العسكري اسمه محمد، وأنه دخل سرداب سامراء في الرابعة من عمره، وأنه يخرج في آخر الزمان، ودأب الإمامية الشيعة على أن يأتوا بفرس مسرجة ويقفونها عند بداية نفق سامراء ويقولون: اللهم عجل فرجه وعجل مخرجه، وأقاموا على ذلك زمانا كثيرا وأول من غير هذه النظرية لديهم هو الخميني الذي زعم نظرية جديدة هي ولاية الفقيه، ومقتضاها أن الفقيه الذي كان مرجعا لهم في أمور الدين ينبغي أن يكون مرجعا في أمور الدنيا، مع أن عقيدتهم السابقة أن الفقيه لا يتدخل في أمور الدنيا وإنما يتدخل في أمور الدين فقط، لأنه لا يمكن أن يؤم المسلمين عندهم إلا معصوم، ويرون الأئمة معصومين وأن المهدي الموجود في النفق معصوم، ولذلك لا يحلون صلاة الجماعة اليوم لأن صلاة الجماعة لا يجوز عندهم أن يؤم فيها إلا معصوم، فجاء الخميني فغير هذه النظرة، ورأى أن الفقيه إذا كان وكيلا عن المهدي في التصرف في أمور الدين فهو كذلك وكيل عنه في التصرف في أمور الدنيا، وأتى بهذه النظرية الجديدة التي بينها في كتابه الحكومة الإسلامية وعلى أساسها قامت دولتهم المعاصرة، وكذلك الذين ينكرون وجود المهدي من أصله يضربون في حديد بارد ويكابرون لأن الأحاديث الأربعة صحيحة، والحديث الذي أخرجه ابن ماجة في السنن أن رسول الله (ص) قال: لا مهدي إلا عيسى بن مريم بين الضعف أو الوضع، وفي إسناده الجُنَدِيُّ وهو مشهور بالضعف عند المحدثين، وهذا الحديث أيضا فيه تناقض، فإن قوله: لا مهدي إلا عيسى بن مريم معناه أنهم كانوا علموا بالمهدي فسألوا عنه، فمعناه أنهم يعرفون أن مهديا سيخرج في آخر الزمان، ثم نفاه فقال: لا مهدي إلا عيسى بن مريم فلا يمكن أن يكون هذا حديثا عن رسول الله (ص).

 

 

الخميس, 16 ديسمبر 2010 11:20
 

آخر تحديث للموقع:  الجمعة, 12 أبريل 2024 20:59 

النتائج النهائية لمسابقات دخول المركز

اشترك في القناة

موقع مركز تكوين العلماء

برامج تلفزيونية

جديد الموقع

إحصائيات

المتصفحون الآن: 26 

تابعونا علــــى:

تابِع @ShaikhDadow