الدرس الرابع (قوله؛ فلما استقر في نفسي هذا العلم الرفيع...)
دورة جامعة طيبة؛ دراسة في كتاب:"الأَخْلاَقُ وَالسِّيَرُ في مداواة النفوس"
المؤلف : علي بن أحمد بن سعيد بْنِ حَزْمٍ، أبو محمد،الأَنْدَلُسِيّ(384-456هـ)
وفى هذه المحاضرة يتعرض الشيخ بالشرح والتحليل لهذا المقطع من هذا الكتاب النفيس: "فلما استقر في نفسي هذا العلم الرفيع وانكشف لي هذا السر العجيب وأنار الله تعالى لفكري هذا الكنز العظيم بحثت عن سبيل موصلة على الحقيقة إلى طرد الهم الذي هو المطلوب للنفس الذي اتفق جميع أنواع الإنسان الجاهل منهم والعالم والصالح والطالح على السعي له فلم أجدها إلا التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة. وإلا فإنما طلب المال طلابه ليطردوا به هم الفقر عن أنفسهم وإنما طلب الصوت من طلبه ليطرد به عن نفسه هم الاستعلاء عليها. وإنما طلبت اللذات من طلبها ليطرد بها عن نفسه هم فوتها وإنما طلب العلم من طلبه ليطرد به عن نفسه هم الجهل وإنما هش إلى سماع الأخبار ومحادثة الناس من يطلب ذلك ليطرد بها عن نفسه هم التوحد ومغيب أحوال العالم عنه وإنما أكل من أكل وشرب من شرب ونكح من نكح ولبس من لبس ولعب من لعب واكتن من اكتن وركب من راكب ومشى من مشى وتودع من تودع ليطردوا عن أنفسهم أضداد هذه الأفعال وسائر الهموم. وفي كل ما ذكرنا لمن تدبره هموم حادثة لا بد لها من عوارض تعرض في خلالها وتعذر ما يتعذر منها وذهاب ما يوجد منها والعجز عنه لبعض الآفات الكائنة وأيضاً نتائج سوء تنتج بالحصول على ما حصل عليه من كل ذلك من خوف منافس أو طعن حاسد أو اختلاس راغب أو اقتناء عدو مع الذم والإثم وغير ذلك. ووجدت للعمل للآخرة سالماً من كل عيب خالصاً من كل كدر موصلاً إلى طرد الهم على الحقيقة ووجدت العامل للآخرة أن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم بل يسر إذ رجاؤه في عاقبة ما ينال به عون له على ما يطلب وزايد في الغرض الذي إياه يقصد. ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائق لم يهتم إذ ليس مؤاخذاً بذلك فهو غير مؤثر في ما يطلب. ورأيته إن قصد بالأذى سر وإن نكبته نكبة سر وإن تعب فيما سلك فيه سر فهو في سرور متصل أبداً وغيره بخلاف ذلك أبداً. فاعلم أنه مطلوب واحد وهو طرد الهم وليس إليه إلا طريق واحد وهو العمل لله تعالى فما عدا هذا فضلال وسخف".
- القسم: دورة جامعة طيبة
- تحميــل
- المشاهدات:3567
آخر تحديث للموقع: الثلاثاء, 12 نوفمبر 2024 13:54