أحكام النساء في الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فإن النساء يتميزن ببعض الأحكام المختصة، نظرا لأن الأحكام أحكام الشرع مبنية على مراعاة الفروق الفردية وعلى الرفق واللطف، وقد قال تعالى: {ما جعل عليكم في الدين من حرج}، والمشقة تجلب التيسير، وهي قاعدة عامة من القواعد الشرعية الكبرى، فكل ما فيه مشقة على الإنسان فالله تعالى يرفع فيه التكليف والحرج، ولذلك ذكر أهل العلم ضوابط المشقة فذكروا منها المرض والضعف والقلة والكثرة والسفر والتردد في الأمر والخوف فهذه ضوابط تحصل بها المشقة، فإذا حصلت بأي ضابط من هذه الضوابط فإنها معتبرة شرعا، والنساء يعرض لهن من العوارض ما تتوافر معه المشقة، كالحمل والإرضاع والحيض والاستحاضة فهذه أربعة عوارض إذا عرض واحد منها أثر في أحكام الطهارة والصلاة والصيام، وفي حلقتنا هذه سنتكلم عن هذه العوارض في الصيام، فالعارض الأول الحيض، فإذا حاضت المرأة قبل دخول شهر رمضان فإنها تبقى على جلوسها لا تصوم حتى تتأكد من الطهر والطهر يحصل بأمرين إما بالجفوف أي جفوف المحل من الدم وإما بالقصة البيضاء التي هي ماء يخرج في أعقاب الحيض وإذا تأكدت من الطهر في الليل فإنه يجب عليها الصيام في النهار، وإذا بقيت على شك في الطهر فإن الأصل أنها متلبسة بمبيح وهو الحيض حتى يرتفع، فلا يجب عليها الصيام حتى تتأكد من الطهر، أما إذا كانت على طهر وشكت في الحيض هل حصل أم لا فإنها لا تعتبر ذلك الشك لأنه شك في مانع ولأنها متلبسة بوجوب الصوم قبل ثبوت حيضها، وإذا حاضت في أثناء النهار فتأكدت من الحيض فإنها تأخذ بحكمه، فالحيض قاطع للصيام، وهو مانع من أدائه ولكنه يجب قضاؤه، فتقضي الحائض الصيام دون الصلاة، كما ثبت في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: فكنا نؤمر بقضاء الصوم دون الصلاة، وهذا يقتضي وجوب قضاء الصوم ما أفطرت منه الحائض في وقت حيضها وأنها لا يجب عليها قضاء الصلاة، والفرق بين الصوم والصلاة أن الصلاة متكررة في اليوم والصوم ليس كذلك فاعتبر هذا التكرر لأنه ضابط من الضوابط الماضية وهي الكثرة، فكثرت عليها الصلاة فلم يجب عليها القضاء للمشقة الحاصلة بالتكرر بخلاف الصوم، فعادة النساء متفاوتة في الحيض في قدره والنبي صلى الله عليه وسلم قال: تحيضي ستا أو سبعا في علم الله، فاقتضى ذلك أن أكثر عادة النساء في الحيض إما أن تكون ستة أيام أو سبعة أيام، وبعضهن يكون حيضها أقل من ذلك وبعضهن يكون حيضها أكثر من ذلك، فإن كانت المرأة مبتدأة أي لأول مرة تحيض فإن المعتبر حينئذ هو حصول الطهر بالجفوف أو بالقصة، وإن كانت المرأة قد حاضت من قبل فإنها تعتبر معتادة بحيضتها وقد اختلف فيما يحصل به انضباط العادة فذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا تحصل إلا بالتكرر ثلاثا، فإذا حاضت المرأة ثلاث مرات متوالية في ثلاثة أشهر فإنها تعرف قدر حيضها لأنها قد تعودت عليه، وإذا كانت قد حاضت مرة أو مرتين فلا تعتبر معتادة حتى يتكرر عليها ذلك ثلاثا، وقيل: تحصل العادة بالمرة الواحدة، فإذا حاضت فعرفت أنها تحيض عادة سبعة أيام أو ستة أيام وأنها تطهر أول النهار أو آخره فإنها تعتبر ذلك، وهذه العادة فيما يتعلق بنهاية الحيض وبدايته أيضا مشككة فهي غير منضبطة، قد يأتي الحيض أول النهار وقد يأتي في وسطه وقد يأتي في آخره، وكذلك الطهر، قد يقع في أول النهار وقد يقع في وسطه وقد يقع في آخره، ولا يجب على المرأة نظر طهرها عند نومها، ولكن عند طلوع الفجر إذا استيقظت تنظر، فإن كان المحل قد حصل فيه جفوف فإنه يجب عليها الصيام، وإن كان بقي فيه شيء فإنها تبقى على فطرها بسبب الحيض حتى تتأكد من الطهر، وإذا كانت تعتاد القصة فإنها تنتظرها لأن طهرها إنما يكون بها، فهي أبلغ من الجفوف، ومع ذلك يمكن أن تعتمد على الجفوف في صومها، فإذا حصل الجفوف ولو لم تنزل القصة قبل طلوع الفجر فيمكن أن تصبح صائمة والقصة لا تفسد عليها صيامها، وإذا تقطع عليها الحيض فوجدت طهرا في الليل فأصبحت صائمة، ثم عاودها الدم مرة أخرى فإنها تعتبر الأيام الخالية من الحيض إذا مضى يوم كامل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ولم تر فيه حيضا فهذا اليوم صومه صحيح وإذا حصل فيه أي شيء من الدم فإنها لا تعتبر ذلك اليوم بل تعده من أيام الحيض وتقضيه فتلفق أيام عادتها فتعدها حتى تكمل عادتها وعند المالكية تستظهر عليها ثلاثة أيام، أي تضيف إليها ثلاثة أيام على أكثر عادتها ما لم تكن عادتها مثلا ثلاثة عشر يوما أو أربعة عشر يوما أو خمسة عشر يوما فإنها لا تزيد على خمسة عشر يوما شيئا، وإن كانت أربعة عشر يوما تستظهر بيوم واحد، وإن كانت ثلاثة عشر يوما تستظهر بيومين، وإن كانت اثني عشر يوما تستظهر فقط بثلاثة أيام أما إذا كانت دون ذلك فتستظهر بثلاثة أيام على أكثر حيضتها، وتجلس أيام الاستظهار لا تصوم فيها ولا تصلي حتى تطهر وتتأكد من الطهر، وإذا استمر عليها الدم بعد ثلاثة أيام على أكثر من عادتها، فكانت عادتها ستة أيام أو خمسة أيام، فاستظهرت بثلاثة أيام فاستمر الدم بعدها فإنها تعتبره استحاضة وتصوم وتصلي وحينئذ تغتسل مباشرة عند مضي هذه الأيام، وأيام الحيض والطهر إنما تعتبر ببداية اليوم فاليوم الذي تحيض فيه لا تعده، لكن اليوم الذي يأتي فيه دم وينقطع تعده من أيام الحيض، لأن ذلك الدم مفسد لصيامها وتعده من أيام الحيض ولو كانت ستصلي فيه لأنها إذا انقطع عنها الدم واغتسلت في أثناء النهار ستصلي ولكن لن تصوم لأن العبرة في اليوم بأوله في الصيام، وإذا حصل هذا التقطع فإن العبرة فيه بعدد الأيام التي حصل فيها حيض حتى تصل إلى قدر عادتها، وإذا وجدت أثر الحيض بعد أن طهرت فإنها تعتبره في وقت عادتها، كما إذا وجدت دما في ثيابها ولم تعرف وقت نزوله هل كان في الليل أو كان في النهار فتحتاط وتعد أنه كان في النهار فتقضي يوما بدل اليوم الذي يمكن أن يكون الحيض قد نزل فيه في النهار، ويذكر الفقهاء صورة نادرة وهي ما إذا كان ثلاث نسوة يشتركن في ثوب واحد، فلبسته إحداهن في العشر الأوائل من رمضان، ولبسته الأخرى في العشر الأواسط ولبسته الثالثة في العشر الأواخر وبعد العيد وجدن فيه أثر حيض ولا يدرين من أيهن، فإن كل واحدة منهن يلزمها قضاء يوم واحد من الصيام وأما في الصلاة فإن الأولى تقضي صلاة شهر بكامله لأنه من الممكن أن يكون الحيض قد صدر منها في اليوم الأول ولم تغتسل طيلة الشهر حتى ولو كانت طاهرا فإن صلاتها باطلة لأنها لم تغتسل، والثانية تقضي صلاة عشرين يوما، والثالثة تقضي صلاة عشرة أيام فقط، وقد نظم الشيخ محمد علي بن عبد الودود رحمة الله عليه هذه المسألة فقال:
ثلاث نسوة لبسن ثوبا كن تناوبن عليه نوبا
تلبسه الأولى بعشر والتي تلي بعشر والتي تلي كتي
ثم رأين بعد ذاك أثرا حيض ولا يدرين ممن صدرا
وكان ذاك الشهر شهر الصوم قضين كلهن صوم يوم
أما الصلاة فصلاة شهر صلاة عشرين صلاة عشر
أي تقضي الأولى صلاة شهر والثانية صلاة عشرين والثالثة صلاة عشر فقط، أما العارض الثاني فهو الاستحاضة، والاستحاضة هي دم خرج للعلة والفساد بسبب المرض، فإذا مرضت المرأة وخرج منها دم ليس معتادا كدم الحيض فإنها إذا كانت مميزة أي تميز بينه وبين دم الحيض بوسائل التمييز فميزت لم تعتبر دم الاستحاضة واعتبرت دم الحيض فقط، كما إذا كانت المرأة لا تطهر أبدا وإنما تعرف أيام عادتها، باللون أو برائحة الدم أو بالتألم عند خروجه، وما سوى ذلك من الأيام يستمر عليها الدم ولكن لونه مختلف عن لون الحيض أو رائحته مختلفة عن رائحة الحيض أو ليس فيه ألم بخلاف دم الحيض فإنها تعتبر الأيام التي ميزت فيها أيام حيضتها فتفطر فيها، وتغتسل عند نهايتها، وما سوى ذلك من الأيام تعتبر فيه طاهرا ولو كان الدم يجري منها فتصلي وتصوم وتوطأ ولا عبرة بدم الاستحاضة لأنه لا يمنع شيئا مما يمنعه الحيض، لكن تغتسل كلما انقطع الدم لئلا يكون خالطه شيء من الحيض، احتياطا، والاستحاضة يصح معها الصيام، وإذا حصل الشك في التمييز بأن وجدت دما ارتابت هل هو من حيضتها أو من استحاضة دم زائد فالعبرة بما كانت عليه من قبل، فإذا كانت من قبل على طهر فيعتبر الشك في الحيض شكا في مانع فلا أثر له، وإذا كانت من قبل متلبسة بحيض فشكت في الطهر فهذا الشك لا أثر له أيضا لأنه بمثابة الشك في أمر قد حصل خلافه فهي على أمر مجزوم به وهو حصول الحيض، ولا يرتفع إلا بمجزوم به أيضا، لأن اليقين لا يزول بالشك، وإذا رأت صفرة أو كدرة، فالصفرة والكدرة في أعقاب الطهر لا تعد شيئا كما في حديث عائشة، وإذا كانت في أعقاب الحيض فهي منه وهي استمرار له، فلذلك إذا وجدت المرأة في الخرقة صفرة أو كدرة وقد كانت طاهرا فإنها لا تعتبر نفسها حائضا حتى تجد الدم، وإن كانتحائضا فتوقف عنها الدم وفي أعقابه وجدت صفرة أو كدرة فإنها تعتبرها من أثر الحيض فمثلا إذا طهرت من الليل أو انقطع عنها الدم من الليل وفي الصباح وجدت صفرة أو كدرة فلا تعتبر صائمة ذلك اليوم لأنه امتداد للحيض، لكن إذا كانت صائمة في طهرها وفي آخر النهار وجدت صفرة أو كدرة فإنها لا تعتبرها مبطلة لصيامها بل تستمر على صيامها حتى تجد الدم وتعتبر الصفرة والكدرة من الطهر لأنها جاءت في أعقابه، فهي معتبرة إذن في آخر الحيض لا في أوله، والعارض الثالث هو الحمل، والحمل لا شك أنه يضعف النساء ويؤثر عليهن، وأيضا فإن الجنين ضعيف وكثيرا ما يتعرض لكثير من الأمراض، فإذا كانت المرأة صحيحة لا تشكو ألما ولا تحس بضعف في جنينها ولم يخبرها الأطباء بذلك فليس الحمل سببا للفطر لأن الله حصر أسباب الفطر في أمرين، هما المرض والسفر، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}، وهي حينئذ غير مريضة ولا مسافرة، فيلزمها أن تصوم، وإذا أحست بالألم أو ظهرت عليها أعراض المرض، أو أخبرها الأطباء بمرض لجنينها، فإنها تفطر إذا كان في الفطر علاج لذلك أو مساعدة عليه، وتقوية لها، ثم تقضي ذلك إذا وجدت وقتا مناسبا للقضاء، وهكذا الإرضاع وهو العارض الرابع من هذه العوارض فالإرضاع ليس مرضا ولا سفرا فليس في الأصل مبيحا للفطر، ولكن إذا كانت المرضع تحس بمرض أو ألم وكان ذلك في شهر الصوم فيمكن أن تستبيح الإفطار بسبب مرضها وألمها، وإذا كان شديدا وجب عليها الفطر بسببه، وكذلك إذا مرض رضيعها فخافت عليه من صيامها ضررا فإن ذلك يوجب عليها الفطر إذا كان الضرر كبيرا وإذا كان الضرر خفيفا كالمرض الخفيف فإنه يبيح الفطر أيضا إذا احتاج إلى رضاعها، والعبرة في كل هذا إلى الأطباء فهم الذين يمكن أن يعتمد على إخبارهم فيما يتعلق بالمرضع والحامل فإذا أثبت الأطباء أن اللبن يتأثر بالصيام فينقص بعض مواده الأساسية أو تنقص قيمته الغذائية بالصيام، وأن ذلك سيكون مضرا بالرضيع فيؤخذ بقولهم ويعتبر، وإذا أثبت الأطباء أن الصوم مضر بالجنين أيضا، أو أنه مضر بالحامل نفسها، فإنها تعتمد على إخبارهم، والعبرة في إخبار الأطباء بمن كان محلا للثقة إذا أخبر الإنسان بأنه مريض بمرض معين صدقه، ولا يشترط في ذلك الإسلام ولا العدالة في غير هذا الأمر، بل يشترط فيه حصول الثقة بخبره والاعتماد عليه فيما سوى هذا، وكثير من النساء بمجرد حصول الحمل أو الإرضاع تفطر وترى ذلك لزاما عليها وهذا خطأ من أخطاء النساء في الصوم، وإذا أرادت القضاء فإن القضاء لا يلزم تتابعه، ويمكن أن يقضى ما عليها من الصيام بالتدريج والتقسيط، فإذا كان على المرأة عدة أشهر من صيام فإنها تصوم ما لا يضر ببدنها ولا بأولادها ولا بعملها، وإذا استطاعت أن تتابع الصيام في الشتاء فبها ونعمت وإلا فتصوم يومين وتفطر يوما أو تصوم يوما وتفطر يومين بحسب قدرتها، أو تصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع، وتكتب ما صامت وتجمعه حتى تقضي كل ما عليها من صيام، وإذا كانت المرأة عاجزة عن الصوم عن القضاء بسبب مرض مزمن كمرض السكر أو نحوه من الأمراض التي لا يرجى برؤها عادة، أو كانت شديدة العطش أو كانت هرمة تقدم بها العمر فلا تستطيع القضاء، فإنها تتصدق عن كل يوم بمد لمسكين، ويكون ذلك كفارة صغرى وهو كاف إن شاء الله تعالى عنها في القضاء لأنها عجزت عنه وقد رفع الحرج في حق أهل العجز، وقد قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وقال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها}، والمرضع والحامل إذا جاء رمضان القابل ولم تقضيا صيام ما عليهما من دين رمضان فإنهما لا تلزمهما هذه الكفارة إلا من فرط في قضاء رمضان فأمكن أن يقضيه ولم يفعل حتى جاء رمضان الآخر فلتزمه الكفارة الصغرى وهي عن كل يوم مد، أي أن يطعم عن كل يوم مدا لمسكين، ويمكن جمع الأمداد وإخراجها معا، ويمكن أن تخرج هذه الأمداد في الكفارة الصغرى لمسكين واحد ولو كانت عن أشهر، بخلاف كفارة الصوم كما سيأتي فإنها لا يجمع منها مدان لمسكين واحد، لا بد أن تدفع لستين مسكينا عند الجمهور خلافا للحنفية، وسنذكر ذلك في أحكام الكفارة والقضاء إن شاء الله تعالى.
وبالنسبة لقضاء المرأة كذلك لما عليها من الصيام لا بد أن تستشير فيه زوجها إذا كان حاضرا وفي حديث عائشة أنها كان يكون عليها صيام من رمضان فلا تقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لوجوده، وليس للمرأة أن تتابع القضاء بغير إذن زوجها، كما أنه ليس لها التطوع بالصيام أيضا دون إذن زوجها إذا كان حاضرا، فلا بد من استشارته في ذلك، ومن أحكام النساء التي يكثر السؤال عنها في الصيام أن كثيرا من النساء تذكر أنها كانت في أول صومها ناقصة العقل فربما شربت أو أفطرت في نهار رمضان فهل تلزمها الكفارة أم لا؟ والجواب أن هذا مما يتكرر ويكثر، فيكثر في النساء أن يبلغن وعقولهن لم تكمل بعد كما إذا بلغت المرأة في التاسعة من عمرها أو العاشرة أو الحادية عشرة وهي صغيرة جدا وعقلها ناقص ولم تدرك بعد التكليف والقربة فإذا كان العقل بهذا المستوى من النقص ولم تدرك معنى القربة، فيمكن أن لا تجب عليها الكفارة لما في ذلك من العنت والمشقة ولأن العقل مناط التكليف، أما إذا كانت مدركة لمعنى القربة فتجاسرت فأفطرت وكان ذلك في نهار رمضان فإنها تلزمها الكفارة عن كل يوم أفطرته إن كانت قادرة على أدائها، وإلا كانت دينا مترتبا على ذمتها كسائر ديونها والكفارة هي إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد، ويندب بغير المدينة زيادة ثلثه أو نصفه عند المالكية، ويكون هذا المد من طعام أي من قمح أو أرز أو نحو ذلك، ولا يلزم إدامه ولا إنضاجه ولا طبخه فمعنى الإطعام التمليك، وإذا عجزت عن الإطعام ولم تجد الطعام فإنه يمكن أن تطعمهم من طعام بيتها، لكن لا بد أن يكون ذلك بإشباعهم على جوع مرتين، فيمكن إذا عجزت عن إطعام بعضهم ولديها إطعام بعضهم اليوم فتستطيع أن تطعم اليوم عشرة مساكين، وغدا عشرة مساكين وبعد غد عشرة وهكذا حتى تكمل ستين مسكينا، والأمر الثاني من خصال الكفارة وهي على التخيير عتق رقبة والأمر الثالث أن تصوم شهرين متتابعين وهذه ثلاثة أمور على التخيير على الراجح، وقد ذهب بعض أهل العلم على أنها على الترتيب، فأوجبوا البداءة أولا بالعتق ثم بالصيام ثم بالإطعام، مراعاة للترتيب الذي جاء في حديث سلمة بن صخر، الذي اقترف وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولكن بما أن المالكية يرون الكفارة في الشرب والأكل في نهار رمضان وكثير من أهل العلم لا يرى الكفارة إلا بالجماع ويرى أن ما سوى ذلك من المفطرات لم ترد فيه الكفارة وإنما هي من باب تنقيح المناط بالزيادة، فإن هذا الأمر لا يتشدد فيه مع أهله، ومن هنا فإن الإنسان إذا كان تائبا منكسرا وجاء يستفتي في هذا الأمر كثيرا ما يتساهل معه بالإفتاء فيمكن أن يفتى على مقتضى مذهب الشافعية والحنابلة حيث لا يرون الكفارة إلا بالجماع، ويجب عليه القضاء، ويخفف عنه فيما يتعلق بالكفارات، إذا كان تائبا منكسرا وليس هذا لكل الناس.
والمرأة إذا أحست بأنها قد بلغت فإنه يجب عليها الصيام وتخبر أهلها بذلك، فالبلوغ يكون بالإنبات وبالحيض وكذلك بالاحتلام، وله علامات أخرى دارجة في المجتمع لا اعتبار لها في الفقه، ويعتبر ذلك بالسن أولا وآخرا، فإذا بلغت المرأة خمس عشرة سنة، أو ست عشرة أو سبع عشرة أو ثماني عشرة ولم تجد أي علامة من علامات البلوغ فإنها تبلغ بالسن، وإذا حصل لها الحيض وهي في التاسعة من عمرها فإنه معتبر أما إذا حصل في اقل من التاسعة فلا اعتبار له، كما إذا وجدت حيضا وهي في السابعة أو الثامنة، من عمرها فلا تعتبر بالغا بذلك ولا يلزمها الصيام بحصول ذلك لأن السن معتبرة في البداية والنهاية.
- القسم: رمضانيات
- تحميــل
- المشاهدات:5291
بحث في المواد المقروءة
آخر تحديث للموقع: الثلاثاء, 12 نوفمبر 2024 13:54