كونوا ربانيين


محاضرة بعنوان " كونوا ربانيين " القاها فضيلة الشيخ محمد الحسن الددو – حفظه الله – في جامع أسامة بن زيد أمام طلبة مركز تكوين العلماء (26-1- 2015) (توطئة وتمهيد ): • لقد أرسل الله الرسل وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناسُ بالقسط . • وقد قفى على آثار المرسلين وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فأرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. • هيأ الله جنته لعباده المؤمنين الذين يستجيبون لدعوته كما قال تعالى { أعدت للمتقين }. • وقد أراد الله بحكمته البالغة أن تتفاوت درجات أهل الجنة فيها { هم درجات عند الله } { وللآخرة أكبر درجات و أكبر تفضيلا } . • لذلك احتجنا أن نربي أنفسنا على المنهج الذي يرضي ربنا ، وأن نتنافس في الدرجات العلى ، و أن لا نرضى بالأقلِّ والدون . • والعاقل يعِدّ للسباق عُدته وقد قال تعالى : { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } وقال { سابقوا إلى مغفرة من ربكم } وقال ربنا { ذلك يوم التغابن }. • وأول مراحل الإعداد : الإرادة الصادقة والعزم المصمم والانطلاق في سبيل الحق ، والفارغون اللاهونلا يستشعرون هذه المنافسة وهم في غيهم يعمهون وفي ريبهم يترددون ؛ فحالهم لذلك راكد ثابت .. أما المنافسون الصادقون فإنهم دائما في ترق وصعود كلما قطعوا مسافة في القرب ازدادوا شوقا إلى الله { وعجلت إليك رب لترضى } ، قال ابن الجوزي رحمه الله : إن من الصفوة أقواما منذ استيقظوا ما ناموا ، ومنذ قاموا ما وقفوا فهم في صعود وترقٍّ كلما قطعوا شوطا رأوا قصور ما كانوا فيه فاستغفروا . (مفهوم الربانية) : • الربانية هي الانتساب إلى خدمة الله جل جلاله ،وعبادتِه والتقربِ إليه فيشمل ذلك العلم والعمل ويشمل شؤون الحياة وشؤون الممات ويُحقق الانسان ذلك عندما يقول صادقا { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا أول المسلين } ولاحظوا أن الآية ختمت بالمنافسة . (علامات الربانية ): • الاقبال على الله والأنس به وتمام محبته ، ومحبةُ رسوله صلى الله عليه وسلم ونصرته وتوقيره . • التقرب إلى الله والأنس بطاعته وخدمة دينه متاح لكل من وفقه الله وليس ذلك بمحصور في فئة من الناس ولا عنصر ولا لغة ، ولا هو بمحصور في عمر أو سن أو مستوى معين { الله يجتبي من يشاء ويهدي إليه من ينيب } { كلاًّ نُمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا }. • وما أسرع مراقي القرب إلى الله فبالدقيقة والعمل اليسير المتقبل – وإنما يتقبل الله من المتقيين – يقطع العبد مسافات طائلة وفي الحديث القدسي الصحيح " وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن اتاني يمشي أتيته هرولة " . • ومعرفة الله تعالى هي أعظم دافع إلى التقرب إليه وإيثار رضاه على الدنيا وما فيها؛ فبمحبة الله والشوق إلى رضوانه يسمو بالعبد المؤمن إلى مقام لا ينظر فيه إلى المحفزات النعيميَّة إذ يطلب من وراء ذلك لذة أكبر هي لذة النظر إلى وجه الله الكريم " بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع عليهم نور من فوقهم فإذا الرب جل جلاله يناديهم : { سلام قولا من رب رحيم } فلا ينظرون إلى شيء مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إلى وجه الله الكريم" • الآيات والأحاديث الواردة في لذة النظر إلى وجه الله الكريم.... (احذر سوء الفهم): • إن كثيرا من الناس يظنون أن الربانيين هم الرهبان المنقطعون عن الدنيا والمنفصلون عن الواقع المنكفئون عن الناس وشؤونهم ، وهذا التصور خاطئ لا أساس له من الصحة ، فالقدوة في الربانية هم أنبياء الله وأصفياؤه من خلقه وأولئك ما تركوا سياسة الدنيا وما تركوا تدبيرها بل عملوا لدرهم المعاش وحسنة المعاد . • على خطى الحبيب : • ولا يمكن الوصول إلا عن طريق المنهج النبوي ولزوم سنة محمد صلى الله عليه وسلم ،فهو الدال على الله والداعي إلى رضوانه ، ومن أراد التقرب بالهوى والرأي والتخمين فقد ضل سواء السبيل. • فلا بد لذلك من تعلم العلم ومعرفة الشرع الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله حتى تكون العبادة على سنة وبصيرة. الربانية ... في دروب الحياة : • -العلم : ربانيته الإخلاص فيه وبراءتك من حولك وقوتك ، والتواضع ، وتعظيم الوحي فإن عشت عشت به حميدا ، وإن مت مت في الطلب شهيدا: سأطلب علما أو أموت ببلدة * يقل بها سكب الدموع على قبر، • "ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريق إلى الجنة ". • -العمل بالعمل : ربانيته لزوم سواء الحق دون إفراط ولا تفريط وفي الحديث : " فأوغلوا فيه برفق ".. والتساهل والتنازل من أعرض الأمانيّ التي لا تفيد صاحبها شيئا و إنما النجاة في العزم والنشاط : {خذوا ما أتيناكم بقوة }... فلا بد من دخول السباق بحظ من الصلاة والقيام الصيام وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. واساس ذلك المحافظة على الفرائض والاستزادة من النوافل .. ثم تدوم على ذلك ؛ ف" إن أحب العمل إلى الله أدومه ". • -الدعوة : ربانيتها الاعتقاد بأن الهداية من عند الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}.. فاحرص على أن تكون مؤدبا بآداب الشرع موصلا للرسالة على أحسن وجه ، ولا تعتمد على الأسباب ،{ وتوكل على الحيِّ الذي لا يموت } ولا تستعجل . • -المعاملة :ربانيتها وزنها بميزان الشرع والإحسان إلى من أمر الله بالإحسان إليه قال تعالى : • طلب المعاش والتجارة: الربانية في ذلك بطلب الدنيا من حلها ووضعها في محلها ، وليس الزهد في تركها بالكلية؛ فذلك تفريط وتضييع للواجبات والحقوق ..بل تحرَّ الحلال ولا تطغ ..{ إن الانسان ليطغى أن رءاه استغنى }...وتوكل على الله حق التوكل فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ..ثم انظر إلى تدبير الله في الرزق ولا تنظر إلى تدبيرك أنت فإن العبد في غاية العجز والفقر والجهل بمآلات الأمور ومصائرها والله جل جلاله هو الذي يدبر ذلك كله قال تعالى : { يدبر الأمر }...فالتوكل على الأسباب شرك وتركها معصية . • -السياسة: ربانيتها تحديد الولاء وتجذير الأخوة في الله والحب في الله والبغض في الله وموالاة من والاه الله { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ..}. • و المجال الاجتماعي : ربانيته أن لا تتزوج عن شهوة ولا تتصرف على أساس نزوة ، بل انظر إلى ما شرعه الله وأنه جعلك خليفة في الأرض ومؤتمنا على جوارحك فاعمرها بالحلال واستحي من الله حق الحياء. • فإذا استنارت لك دروب الحياة بالربانية ،فاذكر ضيق الدنيا وقصرها ، فهي مجرد معبر نمر منه " ما لي وللدنيا إنما أنا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها • الربانية في الممات : أن يكون لله تعالى وفي حال الإقبال عليه { ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون }...فلا تمرّنّ عليك ساعة إلا وأنت تعدها لأن تكون خاتمتك فتعمرها بخير ما بحضرتك ..وتبذل الجهد في نيل أربح الصفقات مع الله في كل لحظة تتجدد من عمرك ..تبدأ بواجب الوقت ..وتترقى في مدارج السالكين ..وانت على استعداد لهذا الموعد الحتمي الذي لا بد منه { إنك ميِّت وإنهم ميتون }. • اقمع بذكر الموت نوازع الغضب والغلظة ..واقمع بذكره ثائرة الشهوة والغفلة. • تذكر عرضك على الله ووقوفك بين يديه : { يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية }. • خذ من دنياك لآخرتك ... واجعل ما آتاك الله من الوسائل والطاقات سبيلا إلى الفرح عند لقاء الله والشرف يوم القيامة :" ولنعم صاحب المسلم هي إن أطعم منها الفقير والمسكين وابن السبيل ". • واختبر نفسك في معدل الربانية عند امتحان الله لك بالأمر والنهي فبمستوى نشاطك وإسراعك إلى أمر الله ، وكفِّك وهربك من نواهيه يتبين لك مستوى الربانية { بل الانسان على نفسه بصيرة }. • فبادر – يا أخي – لوضع تخطيط محكم تحدد به مكانك وتهيئ به نفسك لأخذ علامة التميز في الربانية : { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون }. (جرعات العلاج ): ومن الأدوية الناجعة لضعف الربانية : • -تذكر الموت – صحبة الأخيار الأبرار الناصحين – الاكثار من الاستغفار- قراءة القرآن والإكثار من الذكر . سيما الربانية: • -الخشوع في الصلاة ربانية تحصل بالمجاهدة والتدرج ..فتخاشع لتخشع ..وألزم نفسك السكينة والوقار ، وليظهر على جوارحك هدوء وطمأنينة ..وبعدٌ عن النزق والطيش والخفة .. و أحضر القلب لدى الطاعات * حبا ، وبغضا في المحرمات. • -لا ترض لنفسك أن يقع اختيار الشيطان عليك فيقودك بزمام الشهوة والغفلة إلى الذنوب والمعاصي ..فما من جماعة في مدرسة أو مسجد أو سوق أو غير ذلك إلا والشيطان يطلب منهم نصيبا وظهيرا . • -التأثر بذكر الله وقراءة القرآن وشهود معاني أسمائه وصفاته : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون }...وتذكر دائما أن الذاكرين الله كثيرا والذاكرات يتنافسون في التقرب إليه { يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه }..فحاول أن لا تُسبق وأن لا تكون في آخر القائمة . • فاجعل القرآن ميزانا لجميع أعمالك وصراطا مستقيما وحبلا قويا تستمسك به في كل مغرقٍ تخاف منه فهو حبل الله المتين . • -وإذا رأيت المتسابقين في ميدان الطاعة فلا تعرض عنهم ولا تتفرج عليهم ، بل ألق نفسك في ميدان العزة والكرامة حاجة الأمة إلى الربانيين : • إن الأمة محتاجة إلى الربانيين الذين إذا سألوا الله أعطاهم و إذا دعوه أجابهم ، وإذا استنصروه نصرهم ، فمن يكونون ؟ إن لم يكونوا من طلبة العلم المتفرغين له المحتفلين بميراث الرسول صلى الله عليه وسلم . • فإذا لم ينافسوا في الخير ، وينصبوا أقدامهم لله سجدا وقياما ؛ يجيبون داعي الله ويستقبلونه بوجوههم الصبيحة ، إذا لم يكن منهم ذلك فمن يسد الثغر للأمة ؟ ويجبر ثلمة الدين : ...... من يصلح الملح إذا الملح فسد . • وللقرطبي في تفسيره كلام نفيس : " كل بلدة حوت حوت أربعة يرفع عنها البلاء بهم : 1-إمام عادل لا يظلم 2-عالم على طريقة الهدى3- مشائخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر 4-نساء لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، فهذه الأربعة مظلة ووقاية من العذاب" . هلُموا إلى مغفرة من ربكم : • ومن تلبيس إبليس على ابن آدم القعود به عن التوبة والإنابة استعظاما للذنب والمعصية ، ففُكَّ يا أخي قيود التسويف واخرج من أسْر اليأس والقنوط ، واستجب لنداء ربك الكريم : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم }.



بحث في المواد المقروءة

آخر تحديث للموقع:  الاثنين, 25 نوفمبر 2024 20:04 

رمضانيات

اشترك في القناة

فقه الحج

موقع مركز تكوين العلماء

برامج تلفزيونية

إحصائيات

المتصفحون الآن: 221 

تابعونا علــــى:

تابِع @ShaikhDadow