التربية الروحية
تتناول المحاضرة التربية الروحية، وبدأ الشيخ حفظه الله بالتعريف بها حيث إن المقصود بها تطوير الروح وتنميتها وتزكيتها، وقد أقسم الله تعلى أحد عشر قسما في القرآن على فلاح من زكاها والشمس وضحها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسمء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها...
والتزكية لغة إما أن تكون مشتقة من الزكاء أو التزكية.
فالزكاء تطهير وهو تخلية، والزكاة هو تحلية، وبدأ بالزكاء لأن درء المفاسد أولى.
وقد قال الغزالي عليه رحمة الله إن الأصل في النفوس الشرارة، واستدل عليها بعد أمور منها تطهير رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الجمهور يرى أن الأصل طهارتها مستدلين بــ"...فطرة الله التي فطر الناس عليها...." والفطرة هي السلامة
لكن هذه النفس محفوفة بخمسة أعداء:
1. الشيطان: ويواجه بتقليص أعدائه بدءا بالنفس والأهل، ومواجهة له بالتوبة، ولا يقنط إبليس من الإنسان إلا بعد الموت
2. النفس الأمارة بالسوء: وهي أقرب شيء للإنسان، وتُشبه بالطفل:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على ــ حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
ومن شيم النفوس التطفيف وهو أخذ كل الحقوق، وهذه النفوس إذا لم تعالج من تطفيفها فسينبني عليه من المفاسد ما الله به عليم، ومعالجتها تصعب بعد الكبر:
والشيخ لا يترك أخلاقه ــ حتى يورى في ثرى رمسه
والنفس لابد من اتهامها ولو أظهرت النصح، ولابد من خوف ما مالت إليه.
3. الأهل والأموال والأولاد: ولا تهاجم الانسان ولا تدعوه للنار، وإنما تشغل عن المقامات العلية
4. إخوان السوء: ويشغلون الإنسان عن طاعة الله، ويحاولون استدراجه نحو المعصية فمهمتهم التثبيط والهجوم، والانسان على دين خليله "المرء على دين خليله" وكان أهل الجاهلية يعلمون طبيعة الانسان بمن يقارِن، وقال الرسول صلى الله عليه سلم "المرء مع من أحب".
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ــ فكل قرين بالمقارن يقتدي
ومعالجة إخوان السوء قطع العلاقة بهم، وكي مكانه، واستبدالها بقرناء الخير.
5. مفاتن الدنيا وشهواتها: فالدنيا دار غرور، والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو وزنت عند الله جناح بعوضة لما سقى منها كافرا شربة ماء.
ولابد للإنسان أن يتعرف على الدنيا انطلاقا من نصوص من خلقها ...:واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلنا ه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا.. الآية
ولابد من التعرف على الدنيا بعين صادقة، فكل ما فيها عرض سيال وبقاء الحال من المحال، فالحسن اليوم قبيح الغد وهكذا..
والإنسان من جمال إلى قبح شيخوخة، إلى قبر، إلى أكل الدود وزوال الأعظام بالكلية.
فلابد له أن يدرك حقيقة الدنيا، ومن أدركها فسينفض منها يده ويجعله مطية الآخرة، ويتصرف بها بيده لا بقلبه.
وجبهة الدنيا لا يمكن أن تقاطع، بل لا بد من مكابدتها؛ لكن مكابدتها بالاطلاع على حقيقتها، فما لذ منها بعد الاستعمال يُمل منه..
وهذه الجبهات لا تواجه إلا بالتربية الروحية، وعلينا أن نتذكر تلك التربية التي ربانا عليها الآباء، ونربي عليها نحن الأبناء، نشحذ هممهم، وتعلي هممهم، والهمة العالية لا ترضى بغير الفردوس منزلا، ولا بغير الرسول صلى الله عليه وسلم جارا، ولا غير لوائه لواء.
ومن أولى أولويات التربية الصبر، وكان بعض السلف يقول لأولاده "أكلما اشتهيت اشتريت.." ومن تعود على شراء كل ما اشتهت نفسه دنت همته.
والصبر ثلاث؛ عن معصية الله، وعلى طاعته وعلى القضاء والقدر..
ويجب تعويد الأولاد في صباهم على حب الله ودينه ورسوله، وحب من أحب الله.. فالجانب العاطفي إما أن يملأ بما فيه نفع، وإنا أن يملأ بما لا فائدة فيه، وحلاوة الإيمان كلها أمر عاطفي:
ثلاث من كن فيه ذاق بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار.. فكل هذه الأمور متعلقة بالعاطفة.
وعدم الاعتناء بالجانب العاطفي يقلب الموازين بالنسبة للطفل، تراه ينفر من بعض الطاعات لأنه أجبر عليها.
أما تربية الكبار فينبغي أن يقوم الإنسان نفسه ويعرف نواقصه انطلاق من الصفات الإيمانية:
نضع مثلا لائحة بكثير من الصفات المؤمنين وما يقابلها من صفات المنافقين (الصدق – الكذب، الوفاء – الخيانة...) ويركز الانسان على النقاط التي يضعف فيها، ويعمق مطالعته فيها، ويقرأ عن خطر مقابلاتها من صفات المنافقين، ويدرب نفسه على ترك المعصية بتدرج...
ومن ضروريات تربيتنا لأنفسنا صحبتنا للأخيار الناصحين المقومين والمنافسين، الذين ترجى دعواتهم، لا يحابون، ينبهون على الخطأ:
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريد وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكنا واتبع هواه وكان أمره فرطا.
هذا البرنامج إذا استطاع الانسان إقامته، فسيتغلب على كثير من النوازل، والتأثير بالنفس يبدأ من اتهامهما حتى نتصور علاجها.
وفقنا الله وإياكم.
- القسم: الدعوة
- تحميــل
- المشاهدات:22553
بحث في المواد المقروءة
آخر تحديث للموقع: الثلاثاء, 12 نوفمبر 2024 13:54