انتصارات المسلمين في رمضان
تأتي هذه المحاضرة ضمن برامج التلفزة الوطنية لإحياء شهر الصيام الكريم، وهو برنامج رياض الهدى الذي يبث كل مساء جمعة من الشهر الكريم، وتتناول حلقته الثالثة هذه موضوع: "إنتصارات المسلمين في رمضان". أجاب الشيخ من خلال المحاضرة على الأسئلة التي يطرحها المُحاور، وركز فيها على انتصار المسلمين في غزوة بدر الكبرى والعبر المستخلصة منها، وقد قمنا بتفريغ المحاضرة هنا كمادة مقروءة جنبا إلى جنب مع المادة المرئية لتحصل الفائدة.
• لعل أهم وقعة عرفها التاريخ الإسلامي هي غزوة بدر الكبرى، كيف كان مسار هذه الغزوة؟؟.
• قد شاء الله بحكمته البالغة أن يجعل هذه الدنيا مسرحا للصراع بين الحق والباطل ففيها حزبان متنافسان هما حزب الله وحزب الشيطان والصراع بينهما أبدي سرمدي لا ينقضي حتى يرث الله الأرض ومن عليها وذلك هو مصلحة أهل الأرض، لأن الصراع لو توقف لا يتوقف إلا بهزيمة أحد الحزبين، ولهذا قال: " ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض فمصلحة الأرض في بقاء هذا الصراع، وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة ليس فيها تنفير بل فيها التبشير، وليس فيها تعسير بل فيها تيسيرن ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعثتم مبشرين لا منفرين وميسرين لا معسرين، وقال: "يسرو ولا تعسروا "، "بشروا ولا تنفروا". ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحروب والدماء والقتل بل كان على خلاف ذلك نبي الرحمة وقد سعى لهداية الناس بكل ما هو ممكن ولما عرض عليه ملك الجبال أن يحطم الأخشبين على أهل مكة امتنع عن ذلك رجاء أن يخرج الله من أصلابهم ذرية صالحة تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وعندما سئل أن يدعو على أهل الطائف لما حاصرهم خمسة عشر يوما وقد قاتلوه مع هوازن يوم حنين قال: " اللهم اهدي ثقيفا واتني بهم مسلمين"، فأسلموا جميعا ولم يتخلف منهم أحد واستجيب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
• بعد الهجرة من مكة إلى المدينة احتاج المهاجرون إلى أن يقتصوا لأنفسهم ويأخذوا بعض أموالهم التي نهبها المشركون بمكة، فأذن الله لرسوله بالجهاد وأحل له الغنائم فقد كان أهل مكة آلفهم الله رحلتين؛ رحلة في الشتاء ورحلة في الصيف، فقد كانوا يخرجون في تجاراتهم إلى العراق وإلى الشام وهذه التجارات هي التي يستعينون بها على قتل المسلمين والتضييق عليهم ومحاصرتهم، فأذن الله لرسوله والمؤمنين معه بالتعرض لعير قريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزوات الأول لطلب بعض تجارات قريش فكانت هذه المعركة الفاصلة التي أعز الله فيها الدين ونصر فيها رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم وقتل فيها رؤوس الشرك وهدى فيها من هدى وكانت في شهر رمضان الكريم في السابع عشر منه.
• جاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العير قد ربحت أرباحا هائلة ومعه ثلاثمائة مقاتل يؤمنون العير وارادت قريش أن تخصص هذه الأرباح لغزو المدينة وقتل المسلمين فيها.
• أذِن الله لرسوله الكريم باستقبال العير فخرج لا يريد قتالا ولا غزوا لمكة وإنما يريد اعتراض العير حتى يقضي المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم مقابل شيء مما أخذ منهم ولم يخرج معه إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا وغزواته السابقة لم يكن الأنصار يخرجوا فيها لأنهم بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أزرهم، ولم يكونوا بايعوه على القتال، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع أن أبا سفيان قد قفل من الشام بالعير، وخطب في المهاجرين والأنصار ودعاهم إلى القتال، فظن المهاجرون انه يعنيهم فاستجاب أبوبكر الصديق بخطبته الشهيرة التي أجاب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها ما سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الرسول (ص) أراد غير ذلك، يريد كلام الأنصار فلم يفهم المهاجرون إذ ذاك كلامه فتكلم المقداد وقال يا رسول الله والله لو ذهبت بنا إلى برك الغماد لذهبنا معك لم يتخلف منا رجل ولا امرأة وكان هذا الكلام من المهاجرين أيضا فسُرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال خيرا، "إنما أردت أنصاركم من الأنصار" أو ألمح إلى ذلك فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: " يا رسول الله كأنك تعنينا فو الله لا تخرج إلى غزو إلا خرجنا معك ولو قطعت بنا عرض هذا البحر لقطعناه معك ما تخلف منا أحد، فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده للبيعة فبايعه المهاجرون والأنصار، ولم يسمع بذلك كثير من الناس، وإنما سمع به الذين كانوا عنده لأن الوقت كان ضيقا لأنه يخاف فوات العير، فخرج بأولئك النفر ولم يكن لهم من الإبل إلا مائة يتعاقب على كل بعير ثلاثة ولم يكن لهم من الخيل إلا ثلاثة ولم يكن لهم من السيوف إلا ثمانية ولم يكن لهم من الزاد إلا السويق فخرجوا على عجلة من أمرهم وقصدوا طريق العير فلما كانوا في بعض الطريق ووصلوا إلى قرية الصفراء أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم والدة له تمر على بدر وكان بدر مكانا لمرور العير وفيها رجلان من أصحابه وهما عدي بن أبي الصهباء وبسبس بن عمرو فذهبا إلى بدر فلما أتيا وأناخا بعيريهما سمعا أمتيْن تختصمان في دين بينهما فقالت إحداهما للأخرى ما هو إلا يوم أو يومان حتى تأتي عير قريش من الشام فأخدمهم وآخذ مالا أقضيك منه فرجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه وبعد يوم واحد جاء أبو سفيان يتقدم العير فجاء على أهل بدر فلقيّ رجلا من مدلج فسأله من أتاك في هذه الأيام فقال مامر علينا إلا راكبان أناخا بعيريهما في هذا المكان قبل يوم واستقيا ورجعا فجاء أبو سفيان ففت بعر البعيرين فوجد فيه النوى وهو مما يعلف به أهل المدينة لأن المدينة دار تمر ونخل فقال نواضح يثرب والله فعرف أن الرجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحينئذ خاف خوفا شديدا على العير فستأجر ضمضم الغفاري أرسله ليرجع إلى مكة ليبلغهم بأن العير قد تعرضت للنهب فجاء وأزعج أهل مكة بتصرفه ووقف على أبي قبيس وقد غير لباسه وغير رحله وصاح فيهم منذرا بالخوف وبلغهم أن عيرهم قد وقعت في يد المسلمين وحينئذ تجهز الجيش بمكة وهم زهاء ألف وخرج فيهم كبراء قريش ومن لم يكن مستعدا للخروج يستأجر من يخرج عنه ولما رجع أبو سفيان إلى العير عوّر طريق نحو البحر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأخذوا رجلا كان قد جاء مع الجيش الذي قدم من مكة وتقدم أمامهم وكان عينا لهم فجاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله كم ينحرون في اليوم فقال إنهم ينحرون في الظهيرة جزورا وفي الليل جزورا فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الكلام أن عدد الجيش حواليْ ألف رجل، وسأله عن أكابر قريش فذكر أنهم في الجيش، ووعد الله رسوله الله صلى اله عليه وسلم أن يُريّه مصارعهم.
• لما كانت صبيحة اليوم السابع عشر نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم ببدر وقد جاء مطر من آخر الليل فبلل الرمال التي هي من جهة طري المدينة، فكان رسول الله (ص) وأصحابه بالعدوة الدنيا إلى آبار بدر وقريش بالعدوة القصوى وجاء ركب قريش وكانوا بأسفل الوادي.
• لما نزل رسول الله (ص) على آبار بدر اختار بئرا منها فنزل عليها فجاءه الحباب بن عمرو الأنصاري فقال يا رسول الله هل منزلك هذا هو وحي أوحي إليك أو الحرب والرأي والمكيدة، فقال: بل الحرب والرأي والمكيدة، فقال: ما هذا بمنزل فاقترح على رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يغطيّ الآبار كلها وأن يبني حوضا كبيرا للبئر التي تلي المشركين وأن ينزل عليها فيبقى المشركون ممنوعون من الماء ويبقى الماء للمسلمين جميعا، فاستجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأي الحباب .
• صفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وقد بنوا له عريشا فقام فيه يسال الله تعالى ويستنصره حتى وقع رداؤه عن كتفيه وأبوبكر يقول له حسبك يا رسول الله فإن الله منجز لك ما وعدك، والتحم الصفان، ووعد الله رسوله أن ينزل جيشا من الملائكة ينصره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظات وهو ينصر الجيوش يقف في كل موضع ويضع موضعه في الأرض ويقول هذا مصرع فلان من المشركين، فما تأخر أحد منهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
• كيف كان مسار هذه المعركة حتى ننتقل للمعارك الأخرى؟؟.
• كان أول ما حصل أن دفع رسول الله (ص) اللواء لعلي بن أبي طالب وحينئذ التئم الصف وقام رسول الله (ص) يحفزهم على القتال ويذكرهم بالجنة.
• أول من استشهد من المسلمين في هذه المعركة هو مهجع بن صالح مولى عمر بن الخطاب، أصابه سهم غرب في نحره فاستشهد، فكان أول شهيد يوم بدر.
• ثم تقدم ثلاثة من المشركين وهم عتبة بن ربيعة وشيبة أخوه والوليد بن عتبة يطلبون البراز، وذلك أنهم عندما بلغهم أن العير قد نجت ولا داعي للقتال حينئذ وقام فيهم بديل بن ورقاء وغيرهم من الخطباء وقالوا : " ما تريدون في قتال أولادكم الذين هم مع محمد فقد نجت عيركم فارجعوا بسلام إلى مكة"، فغضب أبو جهل عمرو بن هشام وقال والله لا يسمع العرب أننا رجعنا من غزونا قبل أن نشفيّ أنفسنا من دمائهم. وجاء يطلب البراز، فأمر رسول الله (ص) حمزة وعليا وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وكان عبيدة أكبر رجل في المسلمين إذ ذاك وهو من بني المطلب بن عبد مناف فاقتتل عبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة فضربه عتبة فأطن ساقه وضرب هو عتبة فأثخنه وأسقطه على الأرض، وقتل حمزة شيبة بن ربيعة وقتل علي بن أبي طالب الوليد ثم قتلا عتبة بسيفيهما وحملا عبيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وضع بين يدية والدم ينزف من ساقه قال يا رسول الله وددت أن أبا طالب حيٌّ حتى يعلم أننا أحق منه بقوله :
• كذبتم وبيت الله يغزا محمدا *** ولما نقاتل دونه ونناضل.
• ونسلمه حتى نُصرّع حوله *** ونذهل عن أبنائنا والحلائل.
• انتهت المعركة بهزيمة المشركين وقتل منهم سبعون رجلا فيهم من قيادات المشركين عدد كبير، كأبي جهل وعتبة بن أبي ربيعة وشيبة بن أبي ربيعة وزمعة بن الأسود وأمية بن خلف وغيرهم، وأسر من المشركين أيضا سبعون وغنم المسلمون غنائم كبيرة ورجعوا يسوقون الأسرى.
• أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وكانا من المستهزئين الذين آذوا رسول الله (ص) بمكة وفيهما نزل القرآن، فلما قتلا جاء كتاب من قتيلة ابنة النضر –أخت الحارث- إلى النبي (ص) يتضمن أبياتها المشهورة تقول فيها:
• يا راكبا إن الأثيل مظنة *** من صبح خامسة وأنت موفق.
• أبلغ بها ميتا بأن تحيةً *** ما إن تزال بها النجائب تخفق.
• مني إليك وعبرةً مسفوحة *** جادت بوابلها وأخرى تخنق.
• هل يسمعن النضر إن ناديته ***أم كيف يسمع ميت لا ينطق.
• أمحمد يا خير ضيء كريمة *** من قومها والفحل فحل معرق.
• ما كان ضرك بأعز لو مننت وربما *** من الفتى وهو المغيظ المحنق.
• أو كنت قابل فدية فلينفقن *** بأعز ما يغلو به ما ينفق.
• والنضر أقرب من أسرت قرابة *** وأحقهم إن كان عتق يعتق.
• ظلت سيوف بني أبيه تنوشه *** لله أرحام هنالك تشقق.
• صبرا يقاد إلى المنية متعبا *** رسف المقيد وهو عان موثق.
• وقد أسف رسول الله (ص) لقتله حتى فاضت دمعتاه وأخبر أنه لو وصلت إليه الأبيات في حياة النضر لمنّ عليه ورده إلي أخته حيا.
• جاء رسول الله (ص) بعد أن نزلوا بالمدينة فأمر ان يٌعلم كل رجل من الأسرى عشرة من الأنصار الكتابة مقابل المنِّ عليه وإطلاق سراحه.
• سؤال: ما هي أهم الانتصارات التي حققها المسلمون في التاريخ الإسلامي بعد ذلك؟؟.
• نُنبه إلى أن الانتصار في رمضان له أسرار متعددة منها الصيام الذي ذكرنا أنه يقوي النفوس، ومنها الاتصال بالملائكة الكرام الذين يتنزلون على أهل الإيمان وهم أولياؤهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة كما قال الله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)(فصلت)، فنزول الملائكة عليهم يقويهم لأنهم يقولون "لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون".
- القسم: برنامج رياض الهدى
- تحميــل
- المشاهدات:11120
آخر تحديث للموقع: الثلاثاء, 12 نوفمبر 2024 13:54