الــــبركة


• حلقة اليوم من برنامج مفاهيم 3 تتناول مفهوم البركة وحقيقتها، ومصادر استجلابها، وقد بدأ المُحاور بطرح أسئلته حول الموضوع على الشيخ كما يلي: • ما مفهوم البركة وما حقيقتها؛ هل هي شيء معنوي، أو شيء مادي يمكن أن يُحَسّ؟؟. • البركة تطلق في اللغة على النماء والزيادة، وفي الاصطلاح الشرعي ترد بمعنى زيادة الفضل أو الأجر، وزيادة النماء المحسوس في بعض الأشياء، أو زيادة معنوية بأن تكون أنمى من غيرها أو أكثر نفعا، فكل هذه الإطلاقات الثلاثة موجودة في الشرع، والإطلاق اللغوي يشمل الثلاث الموجودة في الشرع. • ومصدر البركة من الله، وما بارك الله فيه تبارك وما لم يبارك فيه نزعت منه البركة. • هناك أشياء بأعيانها جعل الله فيها البركة؛ فقد يجعلها الله في بعض الأراضي مثل البيت الحرام، " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا"، والماء الذي ينزل من السماء مباركا، "وأنزلنا من السماء ماء مباركا"، وبيت المقدس "الذي باركنا حوله"، وفي أشياء أخرى، كبعض النباتات كالزيت .. • إذا كانت البركة نماء وزيادة، ألا يتعارض ذلك مع كونها سجنا للمؤمن وليست محل ترفه وتزين فيها؟؟. • المقصود أنه بمقابل ما يجده المؤمن في الآخرة من النعيم تصبح كالسجن مقارنة، كما قال زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهما أن رجلا من اليهود كان فقيرا فرآه هو قال: تذكرون أن الدنيا سجنا لكم وأنها جنة لنا، فأين أنا من الجنة وأين أنت من السجن، فقال لو أطلعك الله على ما أعد للمؤمنين في الآخرة لرأيت أن ما نحن فيه سجن، ولأطلعك على ما أعد للكافرين في الآخرة لرأيت أن ما أنت فيه جنة " فأسلم اليهودي، فهي إذن نسبية، ولذلك يقول الله تعالى: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة" فهي إذن لهم في الحياة الدنيا مشروكين فيها خالصة لهم يوم القيامة. • هل هناك معالم أو سمات يعرف بها الإنسان أنه قد حلت البركة فيه أو في شيء من أشيائه ؟. • مثلا بعض الناس بورك في أوقاته، وفيه أوقات معينة بورك فيها بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم بارك لأمتي في بكورها"، وقد بارك الله في أعمار بعض الناس، فالإمام النووي مثلا مات في الرابعة والثلاثين من عمره بورك له في عمره، لو قدر أن أي شخص مات في مثل عمره كيف ينتج هذا الإنتاج الضخم وأيضا الإمام البخاري الذي امتلأت حياته بالأسفار والتآليف ما عاش إلا ستة وخمسين سنة، والإمام الشافعي أيضا ماعاش إلا أربعة وخمسين سنة مع كل هذا العلم والرحلات بين البلدان والأقطار والتآليف العظيمة. • هل هناك مفهوم لمضاعفة البركة، في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم بارك لنا في مدينتنا ومدنا وصاعنا بركة مع بركة وقوله في الشاة بركة والشاتان بركاتان..؟؟. • بالنسبة للمدينة فيها مضاعفة للبركة، ولذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها، وإني أحرم المدينة وأدعو لها بضعفيْ ما دعا به إبراهيم لمكة وثبت عنه أنه قال: " اللهم اجعل في المدينة ضعفيْ ما جعلت بمكة من البركة ، وثبت عنه أنه قال: "اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا واجعل مع البركة بركتيْن، وثبت عنه أنه قال: "اللهم بارك لنا في مدينتنا "اللهم بارك لنا في شامنا". • والبركة من الغيب النسبي، وليست من الأمور المشاهدة بالحس فلا تشم رائحتها ولا تبصر ولا يذاق طعمها، لكنها تُحسّ وقد يجزم الإنسان بها في بعض الأمور حينما يعينه على استغلال تلك النعم في طاعته، • والمال إذا كان حلالا وصرف في الوجه المأذون فيه شرعا كان بركة ونماء، والمقصود به ربحه، لأنه زيادة عن أصل الوجود، وأيوب عليه السلام في الحديث الذي في الصحيح أنه لما نزع ثيابه يغتسل نزل عليه جراد من الذهب جعل يجمعه، فناداه ربه، ألم أغنك عن هذا قال: بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك. • الدعاء باستكثار المال والخيرات الدنيوية، هل هو طلب تزيد من البركة أم هو تزيد من الدنيا؟؟. • هذا بحسب رغبة الإنسان وما ذا يريد بالمال؟، إذا كان يريده للخير والعفاف والمباحات فهو جائز له طلبه، وإذا كان يريد به التفاخر والمباهاة فهو حرام الدعاء لطلبه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الخيل لثلاثة؛ هي لرجل أجر ولرجل ستر، وعلى رجل وزر"، قال أهل العلم: المال كله كالخيل وإنما ذكرت لأنها من أشرف المال"، فهي لرجل أجر إذا كان يُعِدُّها لطاعة الله ويهيؤها للجهاد في سبيله، وهي لرجل ستر كالذي يستغني بها عن الناس، وهي على رجل وزر للذي يجعلها لغير الله ورسوله. • وصف بعض الأشياء بالبركة، مثل ما ورد من وصف بعض الأذكار والسور بالبركة، كقوله صلى الله عليه وسلم:" إن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة"، ما معنى كون السورة بركة؟؟. • أي أن الإنسان بأخذه لهذه السورة يبارك له في وقته وعمله وجهده فهي تصادع عن صاحبها يوم القيامة هي وآل عمران تأتيان كالغمامة تنتصادعان عن صاحبهما يوم القيامة"، وهي بركة للبيت، لأن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه البقرة، وورد فيها أن البيت إذا قرأت فيه البقرة لم يدخله شيطان ستين يوما. • البركة في صور النبي صلى الله عليه وسلم، كيف نستجليها؟؟. • بركة النبي (ص) تتجلى في كل شيء، منها بركته على الأمة المحمدية بإنقاذها من الضلال وإيصالها للهدى، وزيادة أجرها على غيرها من الأمم، وبركته بما آتاه الله من التمكين في الأرض، وبركته هو بذاته لأنه لا يمس شيئا إلا كان بركة ولا يلامس جسده شيئا إلا بقي مباركا ويتبرك الناس به بعد ذلك، حتى الشعرات كانت عند أم سلمة في جلجل من فضة فكانت إذا مرض مريض أرسل إليها قدحا من ماء فأدخلت فيه الجلجل فيشرب منه فيبرأ كما في صحيح البخاري، وكذلك الكنيف الذي كان عند أبي هريرة وفيه شيء يسير من الشعير أهاد إليه الرسول (ص)، فأدخل الرسول (ص) يده فيه فمس الشعير بيده فما نفد ذلك الشعير وما فقده أبو هريرة عمر النبي (ص) وخلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان، فلما قتل عثمان نُهب في البيوت التي انتهبت، فقال أبو هريرة للناس: " ما همني اليوم كهمان *** فقد الكنيف وفقد الشيخ عثمان. • والصحابة رضوان الله عليهم احتفظوا ببعض الأشياء التي مست جسده صلى الله عليه وسلم، كالبردة التي أهدى إلى كعب بن زهير وقد اشتراها معاوية رضي الله عنه ووصلت إليه ثم وصلت إلى عبد الملك بن مروان ووضعها عمر بن عبد العزيز في بيت المال، والله أعلم هل بقيت هذه الأشياء موجودة حتى الآن أم لا . • ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم من تكثيره الطعام إذا مس جسده؟؟. • هذا من بركته صلى الله عليه وسلم، فما مست يده (ص) شيئا إلا وضع الله فيه البركة، فإنه عندما وضع أصابعه في الماء فار الماء من بين أصابعه حتى استقى الجيش واستقوا، وملئوا آنيتهم وأسقيتهم، وكذلك في الطعام عندما كان في حفر الخندق ودعاه جابر إلى بيته وعنده عناق فذبحها فطبختها زوجه فلما جاء النبي (ص) سألهم هل عندهم من خبز فأعطته خبزة أو اثنتين فجعلهما تحت ردائه فستره، فكان يقول أدخل عشرة فيدخل جابر عشرة فيكسر النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الخبز ثم يضع لهم من الطعام بيده الشريفة فيشبعون ويقومون فيقول أدخل عشرة أخرى حتى انتهى الجيش وهو ألف وخمسمائة رجل وبقي الطعام على حاله. • استسقاء عمر بن الخطاب بالعباس عمُّ النبي (ص)؟؟. • عمر ذكر أنهم كانوا يستسقون بالنبي (ص) في حياته وأنهم قد قبضهم الله إليه فهم يستسقون بعمه، وهو من أفضلهم وأقربهم إلى النبي (ص) وأحبهم إليه فلا مانع أن يكون هو من الذين يتقرب إليهم في الصلاة فالإمامة مثلا يختار لها أفضل الناس أي أئمتكم شفعاؤكم فاختاروا من تستشفعون به فكذلك قرابة العباس أفضل وأولى، ولهذا قال له عمر يوم فتح مكة والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم لأنه كان أحب إلي النبي (ص). • هل يترتب على هذا أن يقال إن آل البيت لقرابتهم بالنبي (ص) لهم خصوصية هذه البركة؟؟. • من خرج من ظهر النبي (ص) وكان من ذريته فهو كمن مسته يده لا بد أن يكون فيه علاقة بالنبي (ص) فهو في ظهر النبي (ص) وكل ما مس يده من خارج فهو مبارك فكيف بمن هو بضعة منه، ولذلك ثبت في صحيح مسلم أن جابرا رضي الله عنه لما أتاه محمد بن علي وقد عمي وهو يسأله عن حجة النبي (ص)، قال: "يا ابن أخي أدنو مني فحل زره الأعلى ثم حل زره الأسفل ثم أدخل يده بين ثديي ثم قال: سل عما بدا لك"، فكل من ثبت أنه خرج من صلب النبي (ص) ففيه بركة، والناس مصدقون في أنسابهم والله تعالى حفظ سنة النبي (ص) إلى الآن ولا يستطيع أحد أن يكذب فيها فكيف بنسبه، فلا يمكن أن يدعيّ أحد أنه من آل بيته ويصدقه الناس وهو كاذب وهذا مثل سنته، فقد قال ابن المبارك: " والله لو أراد رجل أن يضع الحديث بالليل بالصين لأصبح الناس ببغداد يقولون فلان كذاب وضاع"، فكذلك هذا من وضع الحديث والكذب عليه فقد قال (ص) من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وقال: " إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد ". • هناك أماكن ورد فيها ذكر البركة كالبركة في مرابض الغنم، لما سأل (ص) عن الصلاة في مرابض الغنم قال صلوا فيها فإنها بركة؟؟. • المقصود بذلك أن الإنسان يجد فيها سكينة وخشوعا عندما يخالط الغنم ، فإن مخالطها ليس من أهل التكبر فالسكينة في أهل الغنم، كما ثبت عن النبي (ص) والكبر والخيلاء في الجدادين عند أذناب الإبل، فمخالطة الإبل تؤدي إلى العنجهية والشدة ومخالطة الغنم تؤدي إلى السكينة والوقار. • هل صحت البركة في بعض الأطعمة بعينا؟؟. • الحبة السوداء ورد فيها أنها علاج، قال: "الحبة السوداء شفاء من داء إلا السام" لكن لم يقصد أن فيها بركة بل المقصود أن فيها علاج. وبالنسبة للتمر فجاء الأمر به في الإفطار وفي السحور فكلاهما مأمور به وهو من السنة، وللإنسان في ذلك منافع كثيرة وبالأخص إذا كان من العجوة التي فيها ورد فيها: " مَنْ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتِ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلَا سِحْر ولا عين". • بركة الأزمنة؛ هل هناك أزمنة مباركة؟؟. • يوم الجمعة من الأسبوع مبارك والثلث الأخير من الليل مبارك وفيه النزول الرباني، ورمضان من الشهور المباركة والأوقات المباركة في اليوم منها أوقات الصلوات والثلث الأخير من الليل والسحَر.. • مصادر البركة وطرق استجلابها؟؟. • لا تستجلب إلا من الله، أن يأخذ المال بالحلال واستغلاله في الطاعة يؤدي إلى نزول البركة في المال وفي الأهل وفي الذرية، فالإنسان يحتاج إلى البركة في عمره ووقته أحوج ما يكون، ثم البركة في علمه حتى يغطيّ له حوائجه وأعماله ثم البركة في عمله حتى يكون مقبولا مرضيا عند الله، ثم البركة في أهله حتى يستغني بحلال الله عن حرامه ثم البركة في ذريته حتى يكون فيها نفع للمسلمين ونفع للدين ثم البركة في ماله فهو محتاج إليه أيضا، فهو يحتاج إلى البركة في كل ذلك.



آخر تحديث للموقع:  الثلاثاء, 12 نوفمبر 2024 13:54 

اشترك في القناة

فقه الحج

موقع مركز تكوين العلماء

برامج تلفزيونية

إحصائيات

المتصفحون الآن: 216 

تابعونا علــــى:

تابِع @ShaikhDadow