قيام الليل 2
يتواصل الحديث في هذه الحلقة عن موضوع قيام الليل2.
• توقفت المحاضرة بالأمس عند مسألة الاجتهاد أو ما يراه البعض مبالغات في قيام الليل وفي الصلاة من نحو أن الأسود بن يزيد كان يُجهد نفسه في العبادة حتى يخضر لونه أو يسود جلده، وأن أبا عمران الجوني قال: إن أمي أرتني موضعا في الدار انحفر فقالت: هذا موضع دموع أبيك، وما نقل عن زين العابدين أنه كان يقطع سفنات ركبتيه مرتين في السنة إلى أخره..، وكان السؤال الأول:
• هل مثل هذه المبالغة في الاجتهاد والتكلف في العبادة مطلوب شرعا أو لا ؟؟.
• الإنسان جهاز صنعه الهي تبارك وتعالي لحكمتين عظيمتين أحداهما مختصة بالإنسان، وهي الاستخلاف في الأرض والثانية مشتركة بين الإنس والجن هي العبادة، فقد قال الله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وقال تعالى: "إني جاعل في الأرض خليفة "، فهذه الحكمة المشتركة التي هي العبادة وكذلك سابقتها يقوم بهما الإنسان، فقيمته بحسب أدائه للمهمة التي من أجلها خلق، والإنسان دون أداء هذه المهمة لا قيمة له، وإذا وجدت فيه من غير صفاء ولا تأنق كان سعره مترديا تبعا لذلك وبقدر ارتفاع أدائه وجودته في العمل الذي صنع يزداد ثمنه وتشتد الرغبة إليه فكذلك الإنسان إذا خلا من العبادة لله نهائيا كان كالبهائم، وإذا كان يؤدي العبادة من غير إتقان يقتصر على الفرائض فقط نقص قدره ولكنه ناج مع ذلك لأنه بقي محافظا على إنسانيته، فإذا زادها بالنوافل حتى وصل إلى مقام المحبة أحبه الله وكان في أعلى الدرجات، ولذلك ثبت في الحديث القدسي الصحيح الذي يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال: " وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولأن سألني لأعطينه ولإن استعاذ بي لأعيذنه، فهذا المقام يتفاوت الناس فيه تفاوتا عظيما، لكن قيده وشرطه هو أن لا يعتدي الإنسان فلا يتجاوز الحد المأذون به فأمانة البدن أمانة لدى الإنسان فإذا وصل به الإيغال في العبادة إلى أن يفسد بدنه فهو عاص ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، وقال: "فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى"، وقال: " مه إكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا"، ولما جاء رجال يسألون عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالوها فقال أحدهم أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال الآخر وأما أنا فأقوم ولا أرقد وقال الآخر وأما أنا فلا أتزوج النساء وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب حتى عُرف الغضب في وجهه وقال إن أخشاكم لله وأتقاكم لله أنا واستنكر على هؤلاء صنيعهم وقال: " إني أقوم وأرقد وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني، والأحاديث في الباب كثيرة في النهي عن الغلو والتكلف، وقد جاء كهمس الهلالي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ومكث معه مدة ثم رجع إلى أهله وبعد سنة عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعرفتني يا رسول الله قال لا قال أنا كهمس الهلالي منذ فارقتك ما أفطرت نهارا وما نمت ليلا حتى تغير شكله نهائيا، فقال: ما بهذا أمرتك"، أمره بصيام شهر الصبر أي شهر رمضان ويوم من كل شهر، إذن المطلوب من هذا الاعتدال، والاعتدال يختلف باختلاف الرجال، فمن الرجال من لديه جلد وليس لديه شغل إلا هذا ويريد المنافسة والدرجات العلا والاعتدال في حقه أن يزيد، ومنهم من لديه أعمال أخرى كالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو القائد الأعلى ولديه انشغالات، فلو صرف وقته كله في قيام الليل وصيام النفل لما قامت دولة الإسلام، وكذلك من هو في غزو في سبيل الله، فخالد بن الوليد كان يغزوا وكان يؤم الناس فيخرج من سورة ويدخل في أخرى في الصلاة فإذا سلم قال: "شغلنا الجهاد عن القرآن".
• الضوابط في العبادة: - أن لا يتعب بدنه. – وأن لا يقدم بعض المندوبات على بعض الفرائض كالذي قام الليل ونام عن صلاة الفجر فأنكر عليه عمر بن الخطاب. – وأن لا يؤدي ذلك منه إلى ملل من الطاعة أو قسوة فيها وأن لا يؤدي ذلك به إلى العجب، وهذه الضوابط إذا راعاها فله أن يزيد ما شاء.
• عمر بن عبد العزيز سبب التزامه أن رجلا من أهل الشام وهو من الفقراء لقيه ليلة بخناصرة فقال: إن أمامك عقبة لا يقطعها إلا كل ضامر مهزول، فمنذ ذلك الوقت جد عمر واجتهد وتغير حاله بالكلية فقد كان يقول:
• إن الأحامرة الثلاثة أفسدت ... مالي وكنت بهن صبا مولعا
• الراح واللحم السمين وأطلى ... بالزعفران فلن أزال مردعا
• فكان إذا مر من طريق يعرف أنه مر منه برائحة طيبه، فتغير بالكلية فلقيّه الرجل بعد ذلك فقال: عهدي بك بخناصرة وجهك مضيئ و.. فقال: منذ تلك الليلة وأنا أسعى لهذه العقبة.
• قال عبد الله بن المبارك: "سير الصالحين جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب عباده"، ومصداق ذلك قول الله تعالى: " وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين".
• فالرسول صلى الله عليه وسلم لما قص الله عليه قصص الأنبياء وقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) ) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) (آل عمران). فلم يصب بإحباط ولم يرتاعوا من هذا الوصف، وإنما جدوا واجتهدوا وبذلوا، وقال رحم الله أخي موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر، وقال لو مكثت في السنين ما مكث ثم أتاني الداعي لأجبته.
• فقه القيام: 1- مسائل الوقت؛ ما هو وقت القيام، هل هو يبدأ بعد المغرب إلى الفجر أو هو من بعد العشاء للفجر؟؟.
• وقت القيام هو الذي يمنع الإنسان من المنام، " تتجافى جنوبهم عن المضاجع"، وهو الذي يسمى تهجدا، أي تجنبا للهجود، والهجود النوم، فالوقت الذي ينام الناس فيه هو الوقت الأنسب لهذه العبادة المخصوصة وهو من غروب الشفق إلى الفجر، وأفضله جوف الليل، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "وصلاة الرجل في جوف الليل"، وجوفه معناه من بعد النصف والثلث الأخير، والمصلى في جوف الليل هو من الثلاثة الذين يضحك الله إليهم جل جلالهن وهو ما كان يفعله داوود.
• أوقات الليل كلها أوقات إباحة للعبادة، وأوقات النهي كلها نهارية وهي: إما بعد الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح، وهذا الوقت فيه درجات: وقت التحريم وهو أن تتضيف الشمس للطلوع، ووقت كراهة مشددة وهو ما بعد الإسفار إلى أن ترتفع قيد رمح وتزول عنها الحمرة ويخرج منه وقت التحريم، ووقت كراهة مخففة وهو ما بين ركعتيْ الفجر وصلاة الصبح وما بين صلاة الصبح والإسفار، ويستثنى منه بعض الأوقات مثل الصلاة على الجنازة وقضاء الصلاة وسجود التلاوة واختلف في ذوات الأسباب، فرأى الحنابلة والشافعية استثنائها ورأى المالكية والحنفية عدم استثنائها وكذلك بعد العصر إلى أن تغرب الشمس فوقت الغروب وقت تحريم وقبله وقت كراهة مشددة من الاصفرار إلى غروب الشمس ومن بعد صلاة العصر إلى الاصفرار كراهة مخففة وكذلك وقت الزوال حين يقوم قائم الظهيرة، فهذه الأوقات كلها نهارية، والليل ليس فيه وقت كراهة.
• الأفضل في سنة قيام رمضان أن يقوم الإنسان ثلاثا وعشرين ركعة بعد العشاء.
• القراءة من المصحف في قيام الليل ؟؟.
• الأصل أن يكون الإمام حافظا لما يقرأه ويصلي به فإذا لم يكن حافظا له أو متقنا له فلا بأس أن يستعين بذلك بما لا يشغله عن الخشوع والتدبر ولا يكثر الحركة فقد كان لعائشة رضي الله عنها عبد يؤمها في النفل وكان يضع المصحف بين يديه لا يقلبه إلا إذا سجد، وورد أن عثمان كان في كل ليلة له من يمسك عليه المصحف وهو يقرأ من حفظه لكنه يريد التأكد من اختلاف القراءات ونحوه، وكان يعتق عبدا إذا أكمل عليه مسك المصحف.
• استخدام الأجهزة الحديثة كمصحف مثل الهاتف؟؟.
• هذه في حكم المصحف إلا أنها ليست في حكمها ن ناحية الطهارة، فيمكن ان تقرأ المرأة فيها وهي حائض وهذا مخرج للحيض.
• الترتيل مع قلة القراءة أفضل أم قلة القراءة مع السرعة؟؟.أيهما أفضل؟؟.
• إذا كان الإنسان حافظا للقرآن ويحتاج إلى مراجعة له وتعهد فالأفضل له أن يسرع بالقدر الذي لا يكون يخل بالحروف، ويعطي لكل حرف حقه ومستحقه، ولا يقف إلا في موقف ولا يبتدئ إلا من مكان يبتدئ منه.
• إحياء الليل بغير الصلاة، من القراءة والدعاء والذكر هل هو مشروع ؟؟.
• مشروع لكنه بالنسبة للذي يشتغل بالعلم وهو أهله ويريد أن يتعلم ويُعلم ويتدبر فهذا أفضل من النفل كما قال الشافعي رحمه الله، وقد روي عنه أنه حين استضافه الإمام أحمد في بيته فنظرت إليه جاريته أو بنته فقالت ما رايت كالليلة هذا الشيخ أكل كثيرا ونام كثيرا وصلى بغير وضوء، وسأله الإمام عن ذلك فقال: أكلت كثيرا لعلمي أنه من حلال واني مأذون فيه أي بسخاء وأردت أن أستعين به على الطاعة، ونمت كثيرا: لم أنم لكني أخذت حديث انس ابن مالك فاستخرجت منه إثنتين وسبعين مسألة بالتدبر وهو مستلق، ولم يتوضا: لأنه كان متوضأ ولم ينتقض وضوءه.
• ما حكم الوتر؟؟.
• الوتر الراجح فيه أنه سنة مؤكدة وهو آكد النوافل، وليس واجبا، وقد قال علي بن أبي طالب بوجوبه وورد بعض الأحاديث التي فيها التأكيد عليه، ولا حرج أن يقضيه قبل صلاة الفجر.
- القسم: مفاهيم 3
- تحميــل
- المشاهدات:6775
آخر تحديث للموقع: الثلاثاء, 12 نوفمبر 2024 13:54