القضاء والقدر
• حلقة اليوم من برنامج مفاهيم تتناول قضية الإيمان بالقضاء والقدر وسيتم تناولها على خمسة محاور:
• الأول: التنظيم والمشروعية.
• والثاني: المراتب والأقسام.
• والثالث: الجبر والاختيار وما بين ذلك.
• الرابع: بعض الإشكالات المرتبطة بالقضاء والقدر.
• والخامس: الرضا بالقضاء والقدر والصبر عليهما.
• يبدأ المحاور بالسؤال: هل من فائدة في الحديث عن القضاء والقدر؟؟.
• الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الإيمان، فقال: "أن تؤمن بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره، وبين الله تعالى حكمته فيه فقال: " مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) (الحديد). وفائدة مدارسته هي فائدة مدارسة الإيمان لأنه لا إيمان إلا على أساس علم، ولا يمكن أن يؤمن الإنسان بما لا يعلم فلذلك من المهم للإنسان أن يعلم قدر الله وأن يزداد محبة لله ومعرفة به.. وعدّد الشيخ فوائد كثيرة للإيمان بالله والقدر خيره وشره..
• سؤال: ما تفضلتم به من ضرورة مدارسة الإيمان بالقدر أين نجعله من الحديث الذي فيه "..خرج علينا رسول الله (ص) ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى احمر وجهه كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان عليه الصلاة والسلام فقال: "أبهذا أمرتم ؟ أبهذا أرسلت إليكم؟ إنما أهلك من كان قبلكم حين تنازعوا في الأمر ..؟؟.
• هذا المجلس لم يتحدثوا فيه بأصل الإيمان بالقدر وغنما تحدثوا في مسائل جزئية مقدرة ولن نتحدث فيها لأنها من الاعتراض على تدبير الله في خلقه، والصحابة رضوان الله عليهم في ذلك المجلس إنما خاضوا في أمور من جاهليتهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته لأصحابه كلما رجعوا إلى أمر من أمور جاهليتهم بأي وجه غضب وزجرهم زجرا بليغا والمنهي عنه هو الخوض في جزئياته بل ينبغي أن نؤمن به وأن ننظر تدبير الله في أموره وبالأخص ما مضى منه وهو مهم جدا لفهمه، لكن المستقبل لا نتطلع له وعليه، ولذلك عندما نقرأ سورة يوسف ونتدبرها نجد تدبير الله العجيب وتمليكه ليوسف على مصر ووصوله لشانها بهذا اللطف العجيب الذي بدأ بإلقاء في بئر وبيع بثمن بخس ثم ألقي في السجن ثم نُسيّ.. حتى تحققت رؤياه في حكمه لمصر وتملكه عليها، وهذا من قدر الله لكنه مضى ولذلك فنحن نتعظ به ونعتبر ويدلنا على تمام تدبير الله وتمام تصرفه في هذا الكون وتمام حكمته البالغة فهو أحكم الحاكمين.
• ومعرفتنا بنعمة الله علينا هي من فوائد القدر المهمة والتفكر فيه ومن فوائده فالشيخ محنض باب بن اميْن حفظه الله وهو من كبار العلماء والمربين في هذا العصر له قصيدة في القدر عجيبة جدا يقول في أولها:
فأزمة الأقدار قائدة إلى ما *** ليس عنه يمكن كشف السترة.
• إلى أن يقول:
فالرب يُخمل عبده لطفا به *** ويكون ذا جبر له بالكسرة.
ويسوق أحداثا إليه تعوقه *** عن خوض بحر مهالك ذي زخرة.
تعضه الأحداث عِضة مازح *** وتمر مرة صيف مَرةِ .
• والقدر الماضي أولى من المستقبل بالتفكر والاعتبار لأنه قد حصل فلذلك نشهد فيه صنيع الله ومعروفه إلينا وتدبيره لهذا الكون.
• سؤال: ما القضاء؟ ما القدر؟ ما لفرق بينهما؟.
• القضاء لفظ مشترك يطلق في العربية على عشرة معان: 1- الحتم والإلزام. 2- الأمر. 3- الإعلام. 4- الوحي. 5- الفصل والقضاء. 6- الإحكام. 7- الخلق. 8- القتل. 9- الوفاء بالنذر. 10- التبـيين .
• والقضاء في الاصطلاح العقدي هو قسم من أقسام القدر، والقدر أربعة مراتب وأحدها هو القضاء.
• والقدر: مصدر قدر وتطلق على التضييق ( ظن أن لن نقدر عليه)، أي لن نُضيِّق عليه، كذلك يُطلق على ترتيب الأمور وخلقها.
• والقدر في الاصطلاح يمكن أن نعرفه تعريفا عصريا فنقول أنه: استرتيجية الكون؛ الاستراتيجية التي يسير الله عليها هذا الكون من أوله إلى آخره وهذا الكون هو مملكة الله جل جلاله عظيم جدا فيه عالم الغيب وعالم الشهادة.
• مراتب القدر أربعة: اثنتان قديمتان واثنتان محدثتان، فالمرتبتان القديمتان هما: علم الله بجميع الأشياء إجمالا وتفصيلا قبل خلق الكون، فإنه لم يتجدد له علم فعلمه بجميع الأشياء ما يكون منها وما لا يكون وكيف يكون لو كان وما كان إلى أي مدى يستمر كونه وفي أية نهاية يكون.. يعلم مستقرها ومستودعها، وهذا العلم بجميع الأشياء إجمالا وتفصيلا صفة من صفات الله جل جلاله وهي مرتبة من مراتب القدر.
• والمرتبة الثانية في القدر: كتابة كل ذلك عنده في الصحف وهي أم الكتاب لا محو فيها ولا تبديل، وهاتان المرتبتان هما المذكورتان في قول الله تعالى: " ) وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) (الأنعام).
• أما المرتبتان المحدثتان فهما توزيع ما هو كائن على الزمن فليلة القدر اختلف في تسميتها – كما سبق أن ناقشنا- هل هي من القدْر الذي هو المكانة والرفعة الذي هو من شأنها فهي خير من ألف شهر، أو من التقدير فتكون راجعة إلى القدر لأنها يفرق فيها كل أمر حكيم فيبرم فيها الأمر جميعا ما هو كائن منها في هذا العام، وهذا التوزيع مراحل منه ما يكون في ليلة القدر ومنه ما يكون في كل شهر ومنه ما يكون في كل أسبوع..، ومنه ما يكون مع كل إنسان فكل جنين حينما يكون في بطن أمه يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر باربع كلمات بكتب رزقه واجله وعمله وشقي أو سعيد.
• أقسام القدر؟؟
• أقسام القدر أربعة: فالقدر إما أن يكون خيرا وإما أن يكون شرا، وكل واحد منهما إما حلو وإما مرن والقدر الخير الحلوُ ما يوفق الله له عباده من الطاعات ويعينهم عليها، فهذا القدر خير لأنه يوصلهم إلى رضوان الله وإلى جنته ويصرف عنهم عقابه وسخطه وهو حلو لأنه موافق لما يرغبون فيه.
• القسم الثاني: القدر الخير المر: وهو المصائب التي يبتلى الله بها عباده المؤمنين فهي خير لهم وفي الحديث: " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن"، فكل ما يصيب الإنسان من الأمراض والابتلاءات فهي كلها من القدر الخير المر، فهي خير له إذا صبر.
• القسم الثالث: القدر الشر الحلو وهو ما يعجله الله للكفرة الفجرة والعصاة والملحدين مما يعينهم على معصيته ويبعدهم عن رحمته فهذا شر لهم لأنه يقربهم إلى سخط الله وعقوبته وهو حلوٌ لأنه موافق لهواهم.
• والقسم الرابع: القدر الشر المر؛ وهو الذي يسمى بصناديد القدر وهو ما يسلطه الله على أعداده وما يعجله لهم من المصائب والكوارث، فهي شر لأنها تقربهم من النار ومن سخط الله وتعجل من عقوبتهم وهي مرة لأنها غير موافقة لأهوائهم.
• من أنكره بالكلية فقد كفر لأنه ركن من أركان الإيمان، والخوض في جزئياته منهي عنه لأنه اعتراض على الله وجهالة بقدره وما قدروا الله حق قدره.
• هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟؟.
• الإنسان من ناحية التشريع مخير ومن ناحية القدر مسيّر، فلا بد هنا من التفريق بين الخلق والفعل والتكليف معلق بالفعل لا بالخلق، فالله جل جلاله له خلق وله فعل فالكون كله من خلقه، أما الفعل فله أفعال وأفعال الله كخلق السموات والأرض وخلق الإنسان وإماتته وبعثه وبعث الرسل لكن أفعال البشر كالكلام والتصرفات فهذه من فعلنا وليست من فعل الله.
• الثواب والعقاب يترتبان على الفعل لا على الخلق.
• أقوال الناس في القدر أربعة:
• القول الأول: مذهب القدرية: وهم نفاة القدر الذين يزعمون أن القدر أُنف وأن الله لا يعلم بالأمر حتى يقع تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وهذا المذهب هو شر المذاهب .
• المذهب الثاني: مذهب الجبرية: وهو مخالف تماما لمذهب القدرية فالجبرية يبالغون في إثبات القدر والقدرية يبالغون في نفيه حتى جعلوا أفعال العباد أفعالا لله وقالوا أن الله هو الذي يفعل هذه الأفعال ولا دخل للعبد فيها، يقولون:
• ألقاه في اليم مكتوفا وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء.
• وهؤلاء أرادوا تنزيه الله عن هذه الأفعال ظنا منهم أنها من فعله، وهي من خلقه لا من فعله، وهم في الدرجة الثانية بعد القدرية .
• المذهب الثالث: مذهب نظرية الكسب عند أبي الحسن الأشعري وهي نظرية شاقة من المسائل التي الأربع التي لا تفهم وهي: الكسب عند الأشعري، والطفرة عند النظام، والحوادث التي لا أول لها عند ابن تيمية والمصلحة عند الطوفي، لكنها هي مسالة كلامية معقدة راجعة إلى كلام فلسفي.
• ونظرية الكسب معناها عند الأشعري أن ارتباط الفعل عند المكلف مثل ارتباط المغناطيس بالحديد فهو معنى يجعله الله في الشيءن فالأسباب لا تأتي المسببات بها وإنما تأتي عندها، فيقول عند الأسباب لا بها، فالشيء الذي احترق بالنار لم يحترق بالنار وإنما احترق عندها وإنما الحرق من فعل الله وليس من خاصية النار.
• المذهب الرابع: مذهب أهل الحق؛ وهو التفريق بين الخلق والفعل فالخلق كله لله والفعل بعضه فعل الله وبعضه فعل المخلوقين، فالمخلوق يثاب على فعله إذا كان حسنا موافقا للشرع ويثاب عليه إذا كان مخالفا للشرع، وهو من فعله هو إذا كان قد أعطاه إرادة، فتلك إرادة مربوطة بمشيئة الله، لا يمكن أن يشاء هو إلا إذا شاء الله، ثم إذا شاء فإن الله يخلق فيه قدرة هي الاستطاعة..
- القسم: مفاهيم 3
- تحميــل
- المشاهدات:11591
آخر تحديث للموقع: الثلاثاء, 12 نوفمبر 2024 13:54