ردود على الاستفتاءات الواردة على الموقع

الكلام على حلق اللحية

حلق اللحية ما حكمه وهل يمكن الأخذ منها وهي صغيرة؟

أن حلق اللحية مما نهى عنه رسول الله (ص) وأخبر أن الأخذ منها بالمقص ونحوه لا يجوز لأنه مناف للتوفير الذي أمر به رسول الله (ص)، أما إذا طالت اللحية جدا وانتشرت وكثرت فإن للإنسان إذا كان في حج أو عمرة وتحلل من حجه أو عمرته بأن رمى جمرة العقبة يوم العيد أو انتهى من السعي من العمرة أن يقبض قبضتين فيقص ما زاد عليهما، ومن العلماء من يرى أنه إذا قبض قبضة وافرة له الحق أن يقص ما زاد عليها، وقد كان ابن عمر وأبو هريرة يفعلان ذلك.

في موضوع الزيارة، كلام النبي (ص) فيه وجه الجمع بين لعن زوارات القبور وبين إذنه، ما تفصيل ذلك؟؟

الجواب أن زيارة النساء للقبور محل خلاف بين أهل العلم فقد ذهب بعض أهل العلم إلى حرمتها مطلقا واستدلوا بحديث اللعن هذا، وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ لأن الزيارة ثبت فيها النسخ ..

فقد قال النبي (ص): «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا» وقال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة» وهذا النسخ في الأصل صريح في زوال كل نهي سبقه سواء كان النهي السابق مختصا بالنساء أو لا، لأن الإذن هنا بل الأمر يتجه إلى الرجال والنساء معا لأنه قال: «فزورها فإنها تذكركم الآخرة» فزوروها هذا أمر لجميع الناس يشمل الرجال والنساء، وهذا القول وهو النسخ في حق النساء هو الراجح لأن النبي (ص) علم عائشة ما تقول عند زيارة القبور، ولو كانت زيارتها للقبور حراما لما علمها ذلك.

 

الكلام على ما يثبت به الرضاع

امرأة أقسمت أنها أرضعتني ونفى والداي ذلك فما الحكم في هذا؟

أن ما يثبت به الرضاع قد اختلف فيه أهل العلم على أربعة أقوال فقد ذهب الحنفية إلى أن نصاب الشهادة في الرضاع هو مثل النصاب في  الشهادة مطلقا في كل الأمور فلا بد فيه من شهادة عدلين أو عدل وامرأتين، وبينوا أن الله سبحانه وتعالى جعل نصاب الشهادة في القرآن كذلك فقال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} وقال في الطلاق: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} وعلى هذا فنصاب الشهادة دائما هو عدلان أو رجل وامرأتان، وذهب الشافعية إلى أن الرضاع يثبت بشهادة أربع نسوة من أهل الشهادة لأنه من شأن النساء لا من شأن الرجال، وكل رجل يقوم مقامه امرأتان في الشهادة، وذهب المالكية إلى أن الرضاع يثبت بشهادة امرأتين من أهل العدالة لأن التعدد مشروط في الشهادة لا في الرواية، وهذا النوع مما يختص بالنساء وإذا حصل التعدد حصل به ما يكفي لحصول أصل المسألة وهو من الأمور الظنية، وذهب الحنابلة إلى أن الرضاع يثبت بشهادة المرأة الواحدة، واستدل الحنابلة بما أخرج البخاري في الصحيح وغيره من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب بن عزيز فجاءت امرأة سوداء فقالت: إني أرضعت عقبة والتي تزوجها، فقلت: ما علمت ذلك ولا أخبرتني، فأرسلت إلى آل أبي إهاب أسألهم فقالوا ما علمنا ذلك، فقعدت على راحلتي فأتيت النبي (ص) بالمدينة فسألته فقال: «كيف وقد قيل» وفي رواية: «فارقها فلا خير لك فيها» ففارقتها فنكحت رجلا غيري، وهذا الحديث يستدل به الحنابلة على ثبوت الرضاع بشهادة المرأة الواحدة ولو كانت هي المرضعة ولو كذبها والدا الرضيع، فبنت أبي إهاب أنكر أبواها أن تكون أرضعتها تلك المرأة وقالا: ما علمنا ذلك، ومع ذلك فالنبي (ص) نهاه عن الاستمرار على هذا الزواج، وقال: فارقها فلا خير لك فيها، وقال: كيف وقد قيل؟ والمالكية رأوا أن هذا الحديث دليل على أن الرضاع لا يثبت بشهادة المرأة الواحدة لأنه قال: فارقها، وأنتم تعلمون أن الفراق هو الطلاق، والطلاق لا يكون إلا بعد نكاح صحيح لقول النبي (ص): «لا طلاق ولا عتاق للإنسان فيما لا يملك» فاقتضى هذا أن النكاح صحيح لأنه قال: فارقها، ومعناه أن النكاح الذي حصل معتبر شرعا، فيحتاج إلى فرقة فيه وهذه الفرقة هي الطلاق، فيكون ذلك تصحيحا للعقد، ومن المعلوم أن المحرم لا يحل العقد عليها ولا يصح بوجه من الوجوه، فلو كان الرضاع ثابتا لكان النكاح غير متصور أصلا، ومع ذلك فإن المالكية راعوا الخلاف فرأوا ندب التنزه بشهادة المرأة الواحدة، وهذا فيما يتعلق بالنكاح أي في جانب المنع، أما في جانب الاستحلال وهو انتشار الحرمة كأن يصافح هذه المرأة التي زعمت أنها أرضعته فإذا أنكر والداه ذلك فالاحتياط أن لا يصافحها وأن لا يعمل بهذا الرضاع فيما يتعلق بجانب الإيجاب، أما في جانب النهي وهو جانب السلب فقد ذكرنا الخلاف فيه أما في جانب الإيجاب فعليه أن لا يعمل بهذا الرضاع، والواحد بالشخص له جهتان فالنبي (ص) لما تخاصم إليه سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ولد قال عبد إنه ابن لأبيه ولد على فراشه من أمته، وقال سعد بن أبي وقاص إن أخاه عتبة بن أبي وقاص أوصاه أنه ابنه، حكم به النبي (ص) لعبد بن زمعة وقال: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» لكنه مع ذلك أمر سودة بنت زمعة أن تحتجب منه وهي أم المؤمنين، فمعناه أنه راعى الأمرين، فنظرا لشبههه بعتبة بن أبي وقاص وقد كان ابنه من الزنا أمر النبي (ص) سودة أن تحتجب منه، ونظرا لكونه ولد على فراش الآخر ولم ينكره وهو ابن أمته على فراشه فالنسب تابع لذلك ولذلك حكم به لعبد بن زمعة وأمر سودة أن تحتجب منه.

حكم حلق اللحية للزبناء

هل يجوز حلق اللحية للزبناء، وكثير من الزبناء يحلق لحيته مع رأسه، وإذا رفضت له ذلك خسرت المهنة؟

يبدو أن السائل من الذين يزاولون مهنة الحلاقة فلا يسأل عن حلق لحية نفسه وإنما يسأل عن الاشتغال بحلق لحى الآخرين، والجواب أن الاشتغال بذلك هو من التعاون على الإثم والعدوان فلا يحل الاشتغال به وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وعلى الإنسان أن يعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين وأن الرزق بيد الله وقد كتب، رفعت الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن، والله سبحانه وتعالى يبعث ملكا إلى الجنين وهو في بطن أمه كما بين النبي (ص) ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فلذلك ينبغي للإنسان أن يعلم أن الرزق قد كتب لا يزيد ولا ينقص، وأن عليه أن يجمل في الطلب كما قال النبي (ص): «إن الله قد كتب لكل نفس رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب»، وفي الحديث الآخر: «إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب»، فالإجمال في الطلب منه أن يكون من حلال، فطلب الرزق من الحرام ليس من الإجمال في الطلب، فالحرام لا يبتغى به ما عند الله، فما عند الله لا يبتغى بمعصيته.

حكم الخلوة في السيارة

هل يجوز للمرأة أن تركب مع صاحب السيارة وحدها في وسط المدينة مثلا؟

أنها إذا كانت تركب في الخلف وليست مجاورة تماما لصاحب السيارة، وكان ذلك في وقت تزدحم فيه الشوارع أي يوجد فيها الناس فليس هذا من الخلوة إن لم تحصل ريبة، وأما إذا كان ذلك في أوقات مريبة كوقت الظلام أو وقت خلو الشوارع من الناس، أو كانت في المقعد المجاور له بحيث يسهل تماس أطرافهما فهذا حرام لأن النبي (ص) حذر من اقتراب أنفاس الرجال من أنفاس النساء.

حكم امرأة أقرت بأنها أرضعت صبية ثم أنكرت بعد ذلك

امرأة لها بنت صغيرة خرجت عنها وتركتها مع امرأة وعندما عادت أخبرتها بأنها قد أرضعتها فغضبت عليها فأنكرت أنها أرضعتها هل يعتد بقولها الأول أم الثاني مع عدم وجود شاهد؟

أن الشاهد إذا رجع عن شهادته بطلت، فإذا كانت المرأة رجعت عن خبرها ولا يوجد شاهد سواها فلا عبرة بذلك ولا يثبته مجرد قولها الأول الذي رجعت عنه.

من أحكام التعزية

هل وجود آل الميت في بيتهم يعد جلوسا للتعزية أم لا؟ وهل ذلك إلى ثلاثة أيام أم لا؟

أن الاجتماع عند أهل الميت كان معدودا من النياحة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، والمقصود بذلك الاجتماع في المجالس التي يجتمع فيها الناس من أجل الطعام ومن أجل الكلام فيكثر فيها اللغط ويكلف فيها أهل الميت تكاليف كبيرة، فهذا النوع هو من النياحة التي حرمها النبي (ص) وبرئ من أصحابها، أما الاجتماع عندهم للتعزية كما إذا أتاهم وفد من الناس من أجل التعزية أو جاءهم إنسان من أجل التعزية فاجتمع عندهم عدد من الناس فهذا ليس من المحذور شرعا لكن ليس لهم أن يأكلوا ولا أن يشربوا ولا أن يجتمعوا لتردد الكلام الكثير فذلك هو المعدود من النياحة، وجلوسهم هم من أجل أن يعزوا هو من التعاون على البر والتقوى، فالله سبحانه وتعالى شرع لنا أن نتعاون على البر والتقوى والتعزية هي مما يربط الوشائج ويزيد المحبة وهي الحمل على العزاء فإذا كانت على الوجه الشرعي وهو ذكر الفضل والأجر الذي رتبه الله على الصبر، وذكر ما يعرفه الإنسان في الميت من الخير، والدعاء له والدعاء لأهله بعد موته فهذه هي التعزية الجائزة وهي مندوبة، وقبول أهل الميت لها من قبول الإحسان وقبول المعروف، وقبول المعروف هو من مكارم الأخلاق، فرد الهدية ليس من مكارم الأخلاق، ورد التعزية ليس من مكارم الأخلاق، ورد العيادة ليس من مكارم الأخلاق، فلذلك من التعاون على البر والتقوى قبولها، لكن بشرط أن تكون مضبوطة بهذه الضوابط الشرعية فإذا زاد ذلك عن الحد المأذون فيه شرعا كانت مخالفة شرعية وكان التعاون عليها من التعاون على الإثم والعدوان.

حكم إعطاء إطعام ستين مسكينا لمسكين واحد

هل إطعام ستين مسكينا يمكن أن يعطى لمسكين واحد؟

أن مذهب جمهور أهل العلم اعتبار العدد وتمييزه فإن  الله ذكر عددا مميزا فقال: {فإطعام ستين مسكينا} فالعدد هو قوله ستين والتمييز هو قوله مسكينا، فاعتبارهما معا هو مذهب جمهور أهل العلم فيلزم إطعام هذا العدد لكل مسكين مد، وذهب أبو حنيفة إلى اعتبار العدد دون اعتبار التمييز، فقال التمييز تابع للعدد فلذلك يحل أن يعطى مسكين واحد ستين مدا، فأبو حنيفة وحده هو الذي أجاز إعطاء المسكين الواحد ستين مدا وجعل ذلك مجزئا، وجمهور أهل العلم اعتبروا الكلمتين معا فرأوا أنه لا بد أن يعطى ستون مسكينا كل مسكين يعطى مدا، ومذهب الجمهور هو الموافق لصريح الآية فهو أرجح وأولى.

حكم تخفيض قيمة الدية

هل يجوز الخفض من قيمة الدية التي حدد الشارع بناء على أن ذلك في مصلحة القبيلة كما يراه بعض الناس؟

لا، فإن الله سبحانه وتعالى حدد حدودا لا يحل تعديها ولا النقص منها، وما حدده الشارع من المقدرات فلا يحل النقص منه بحال من الأحوال، فالدية دية الرجل ألف دينار من الذهب أو عشرة آلاف درهم من الفضة أو مائة ناقة، هذا تحديد رسول الله (ص) للديات في كتاب عمرو بن حزم وهو محل اتفاق بين المسلمين.

تقويم الدية من العملة

ما قدر الدية اليوم من الأوقية؟

أن النبي (ص) فرض الدية على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الفضة عشرة آلاف درهم، وعلى أهل الإبل مائة من الإبل، وجعلها مخمسة في الأسنان، ولم يجعل فيها ذكورا، وفي دية الخطإ شبه العمد غلظها بالتثليث، حيث جاء في حديث القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي (ص) قال: إن قتيل خطئ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه مائة من الإبل، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها، وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فتكون الدماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح، وعلى هذا فاختلف العلماء هل الدية ترجع إلى أصل واحد أو إلى ثلاثة أصول، فإذا قلنا هي أصل واحد فهل أصلها الإبل كما ذهب إليه عدد من الأئمة، أو أصلها الذهب كما ذهب إليه بعض أهل الظاهر، وإذا قلنا ترجع إلى ثلاثة أصول فالذهب أصل والفضة أصل والإبل أصل فيقاس عليها غيرها، فالإبل يقاس عليها غيرها من الحيوانات بالثمن، في البقر والغنم، والذهب يقاس عليه غيره من العملات كلها، فقيمة ألف دينار من الذهب من الأوقية مثلا هي التي تعتبر كذلك، فينظر إلى ألف دينار ولا ينظر إلى قيمة الإبل، لأن الأوقية أقرب إلى الذهب منها إلى الإبل، وهذه المسألة فيها خلاف بين فقهاء المالكية وغيرهم، فالمالكية اختلفوا هل الدية أصل واحد أو ثلاثة أصول، وذهب بعض الشافعية إلى أن الدية خمسة أصول اعتبارا بعمل عمر بن الخطاب فقد فرضها على أهل التجارات من الملابس وفرضها على أهل البقر كذلك من البقر، فهذا محل خلاف، وعموما إذا أردنا تقويمها فأرجح شيء فيها وأقربه أن تقوم الدنانير، فتقوم ألف دينار بنقود العملة فما وصل إليه كان دية المسلم.

حكم تلقين الميت بعد موته

هل تلقين الميت بعد موته له أصل في السنة، وإذا كان الجواب نعم فما هو الثابت منه؟

أن التلقين تلقينان تلقين في الحياة وتلقين بعد الممات، أما التلقين في الحياة فقد ثبت عن النبي (ص) الأمر بتلقين الميت شهادة أن لا إله الله، أي أن يقال عنده وهو يسمع: لا إله إلا الله، لعله يكون آخر كلامه لا إله إلا الله، فيقال ذلك بين يديه ولا يقال له قل، لئلا يمتنع من ذلك، بل يقال عنده لا إله إلا الله، فإذا قالها مرة واحدة سكت عنه ولم يكرر ذلك عليه، إلا إذا تكلم بعد ذلك بكلام من أمور الدنيا فتعاد عليه مرة أخرى ليقولها، أما التلقين بعد الموت فقد جاء فيه حديث ضعيف أخرجه ابن ماجة في السنن وغيره من حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه وفيه الأمر بتلقين الموتى بعد الموت أن يقف الإنسان عند رأس أحدهم فيقول يا فلان بن فلان إذا أتاك الملكان فقل لهما ما خرجت عليه من الدنيا وهو أنك تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد (ص) رسولا، وهذا الحديث ضعيف والموتى لا يسمعون كلام الأحياء لأنهم حيل بينهم وبينهم بالبرزخ كما قال تعالى: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} وإنما يسمعون ما أسمعهم الله من ذلك، ولهذا قال الله تعالى للنبي (ص): {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} وقال تعالى: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون} وقال تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير} وأما إسماع الله تعالى فإنه يسمعهم سؤال الملكين ويرد عليهم أرواحهم للجواب وأيضا فإنه رد على أهل القليب يوم بدر أرواحهم حتى سمعوا كلام النبي (ص) لهم، وكان تكبيته لهم من باب عذاب القبر، ولذلك قال النبي (ص): ما أنتم بأسمع منهم لما أقول، فخاطبهم بما يكبتهم فقال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فكان ذلك تكبيتا لهم كسؤال الملكين أصلا، فهذا من عند الله لا يسمعه إلا الله تعالى، وأما قوله (ص) في حديث السؤال: وإنه ليسمع قرع نعالهم فقد فسره كثير من أهل العلم بمعنى أنهم ما زالوا على قرب منه بحيث يسمع من عنده قرع نعالهم لو بقي عنده أحد، ومع ذلك فعلى ضعف حديث التلقين بعد الموت فقد عمل به عدد من العلماء والعمل بالضعيف في مثل هذا النوع مختلف فيه، ولذلك إذا فعله الإنسان فالأصل أن يكثر من الدعاء للميت، وقد جاء عن النبي (ص) الدعاء عند القبر بعد أن يوارى الميت فيه بالثبات والأمر بذلك، فكان يقول: (اسألوا له الثبات فإنه الآن يسأل)، وفي بعض الأحاديث (اسألوا لصاحبكم الثبات فإنه الآن يسأل)، فكان عدد من أصحاب النبي (ص) يتحلقون حول القبر فيدعون لصاحبه، وأخرج مسلم في الصحيح أن عمرو بن العاص رضي الله عنه أوصى ولده إذا هو مات أن يقفوا عند قبره قدر ما تنحر جزور ويوزع لحمها، ولعله يقصد بذلك دعاءهم له في تلك اللحظات بالقدر الذي لا يشق عليهم.

حكم قراءة القرآن على الأموات

هل تجوز قراءة القرآن على الميت أي ما يسمى عند الناس بالسلكة؟

أن قراءة القرآن وإهداء ثوابها للميت يسمى ذلك بالتلحيق وهو إلحاق ثواب ما يقرؤه الإنسان بميت قد مات، وقد اختلف فيه أهل العلم فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه لا يصل لأنه من عمل الأجساد، فليس هو كالصدقة ونحوها من الأمور المنفصلة عن الإنسان، فمذهب مالك أنه لا يصل، فلذلك على الإنسان أن يعمل بما يصل وهو الصدقة أو الدعاء، وقد قال العلامة محمد مولود رحمة الله عليه:

أجر الطعام والدعا إن بذلا** للميت لا خلاف في أن يصلا

وما سوى ذلك من الأمور فيه خلاف هل يصل أم لا، واجتماع الناس عند أهل الميت من النياحة وقد حرم رسول الله (ص) النياحة وبرئ ممن يفعلها، وقد بين بعض أصحابه أنهم كانوا يعدون الاجتماع عند أهل الميت من النياحة، والاجتماع عند أهل الميت منه الاجتماع لقراءة القرآن فينبغي أن لا يكون ذلك وأن لا يفعله الناس وأن لا يظهروه فهو من البدع المحدثة.

هل إرضاع من ولدت من الزنى ينشر المحرية

هل تصح الرضاعة بلبن ولد لا أب له؟

نعم تنتشر المحرمية بذلك الرضاع من قبل أم ذلك الولد، وليس له أب حتى تنتشر المحرمية في جهة أبيه، فلذلك الرضاع فعل وهو ناشئ عن لبن فإذا حصل اللبن ولو من غير نكاح أصلا كما إذا خرج لبن في ثدي امرأة من غير نكاح فإن ذلك اللبن ينشر المحرمية على الراجح إذا كان ينتفع به الولد، فإن النبي (ص) إنما شرط في الرضاعة الانتفاع، فقال: «إنما الرضاعة من المجاعة» وقال: «ما أنشز العظم وأنبت اللحم محرم» وقال: «لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان ولكن ما فتق الأمعاء» فالشيء الذي فتق الأمعاء ونفع الولد في التغذية هذا الذي تنتشر به المحرمية.

ما يثبت به الرضاع

شخص قيل بأنه أرضعته امرأة وهو لم يدركها حية ووالدته وجدته وخالاته أنكرن ذلك، ولكن والده يظن بأن المرأة أرضعته فما الحكم؟

أنه إذا لم يشهد بذلك من يثبته فإن الأصل العدم، فأصل هذا الرضاع أن يكون معدوما حتى يشهد به نصاب يثبته، وقد ذكرنا أن نصاب الإثبات في الرضاعة مختلف فيه بين المذاهب، فعند المالكية إنما يثبت الرضاع بشهادة امرأتين ولو كانت إحداهما المرضعة، وعند الحنابلة يثبت الرضاع بشهادة المرأة الواحدة، وعند الشافعية لا يثبت إلا بشهادة أربع نسوة، وعند الحنفية لا يثبت إلا بشهادة عدل وامرأتين، فعلى هذا إذا لم يثبت هذا الرضاع ولم يشهد به أحد فلا عبرة به.

بعض العلماء يحلقون لحاهم ما دليلهم على ذلك؟

نجد اليوم كثيرا من العلماء يحلقون لحاهم وخصوصا في المشرق فما دليلهم الذي يعتمدون عليه في هذه المسألة وهل يوجد خلاف على القدر الذي يمكن أن يؤخذ من طول اللحية وعرضها؟

بالنسبة لكل من دون النبي (ص) لا يحتج بفعله، فإنما يحتج بفعل المعصوم فقط أما من ليس معصوما فيلا يحتج بفعله حتى لو كان أبا بكر وعمر، لأنه يمكن أن يقع منه مخالفة، وقد قال الله تعالى في أهل أحد: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}[آل عمران 155] فإذا  كان أصحاب النبي (ص) بهذه المنزلة فكيف بمن دونهم، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يغتر بأفعال الناس فأفعال الناس لهم فيها أعذار وقد تكفر ببعض الحسنات الأخرى، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إن كثيرا من أصحاب النبي (ص) الذين وقع منهم بعض المخالفات هم أحق الناس بالمغفرة لقربهم من النبي (ص) ولجهادهم معه ولبيعتهم له ولنصرتهم له ولسبقهم في الإسلام فكانوا أحق بالمغفرة ممن سواهم، فلذلك يلتمس لهم جميعا أحسن المخارج، ومثل ذلك من عرف بالعلم والصلاح والاستقامة والخير في أي عصر من العصور فإنما يحمل على ذلك فإذا رأينا منه مخالفة للسنة أو فعلا ظاهرا مخالفا للشرع فإننا نعتبره من الذنوب التي هي جديرة بالتكفير إن شاء الله تكفرها حسناته الأخرى، وقد قال ابن القيم رحمه الله: زلات العلماء أقذار وهم بحار وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، فزلاتهم بمثابة الأقذار رميت في شواطئ البحار ولا تضرها:

ما ضر تغلب وائل أهجوتها** أم بلت حيث تناطح البحران

فهذا مما لا يؤثر.

حكم حلق العنفقة؟

ما حكم حلق العنفقة؟

أن حكمها حكم اللحية وقالت طائفة حكمها حكم الشارب، وقد أخرج البخاري في الصحيح في حديث ابن عمر أنه كان يحفي ويأخذ من هذين، كان يحفي أي يحفي شاربه ويأخذ من هذين فاختلف في الإشارة هنا في اسم الإشارة لأنه لم يحدد شيئا، فقيل: المقصود بهذين طرفا الفم الأعلى والأسفل أي الشارب والعنفقة وهذا يبيح الأخذ منها، وقيل يأخذ من هذين أي طرفي الفم وهما ملتقى الشفاه وقد قال الشيخ محمد علي رحمه الله في هذه المسألة :

قول البخاري وكان يحفي** يأخذ هذين بواو العطف

إلى أن يقول:

وذاك حيث تلتقي الشفاه** حيث ينظف النظيف فاه

فذاك أولى ما به يؤول**...................................

إلى أن يقول: فابدأ به من أول، أي هو أولى الأقوال بالبدء به فأولى الأقوال عند الشيخ أنه حيث تلتقي الشفاه، حيث ينظف النظيف فاه، لكن مع ذلك فقد فسر ذلك بالعنفقة والشارب، وعلى هذا فليس الحال فيها شديدا، ليس الحال في العنفقة شديدا.

من أحكام الإيجار والتأجير

العامل الذي يعمل في المنزل وراتبه على الشهر إذا خرج هل له حق أم لا؟

أن العامل إذا استأجره الإنسان مدة من الزمن محددة سواء حددت بالقول أو حددت بالعرف، ومن المعلوم أن عرف أهل بلادنا أن العامل يستأجر لمدة شهر، فإذا بدأ العمل معك ولم يفسد فيه شيئا وكان عمله على الوصف المطلوب فقد استحق أجرته لذلك الشهر الكامل، وإذا توقف في الأثناء فتعطل هو بسبب مرض أو مرض بعض أهله أو حاجة له اقتضت منه الاستئذان فلا يستحق إلا أجرة ما عمل من ذلك الشهر، لكن إذا استغنيت أنت عن خدمته وانتقلت من هذا المكان ولم تعد تحتاج إلى هذا العامل فلا بد أن تؤدي إليه أجرة شهر كامل، ولذلك قال خليل رحمه الله: ولزم الكراء بالتمكن، من استأجر بيتا من البيوت والبيوت من المعلوم أنها تستأجر لمدة شهر، فاستأجرت شقة بمبلغ محدد 35 ألف أوقية، ومكثت فيها أسبوعا فقط ثم بدا لك أن تنتقل عن هذا المكان فتجب الأجرة كاملة لربها، ولك أنت أن تسكن فيها من شئت لبقية الشهر، لأنك أنت ملكت غلة هذه الشقة لمدة شهر، وملك صاحب الشقة أجرتها، فلذلك لا بد من مراعاة هذه القاعدة وهي: لزم الكراء بالتمكن، أن هذا العقد إذا تم فإن الأجرة تلزم بمجرد التمكن، ولو لم تأخذ جميع ما استئجرتها له، وهنا التنبيه على أمر أيضا يحتاج إليه، وهو أن المستأجر يجوز إيجاره في ما يسمى في القانون بالإيجار من الباطن، الإيجار من الباطن الذي هو معروف لدى القانونيين وهو إذا استأجرت منزلا بثمن معين يجوز أن تؤجره على آخر ولو كان بثمن أرفع من الثمن الذي استئجرته به، فهذا النوع هو الإيجار من الباطن وهو جائز في الشريعة لكن بشرط واحد وهو أن يكون المستأجر له وهو الثاني لا يصرفه إلا في مثلما استئجرته أنت له، إذا كنت استئجرت الشقة من أجل أن تسكنها، فلا يجوز أن تؤجرها لمن يجعلها كراجا للسيارات، ولا لمن يجعلها محلا للطحن، لأن المالك لا يريد أن يؤجرها لذلك وهو مالكها، فلذلك يجوز أن تؤجرها لمن يستخدمها في نفس الغرض الذي استئجرتها أنت له، إذا كانت محلا تجاريا لنوع من التجارة لا بد أن تستأجرها لمن يستغلها في نفس النوع ولا يجوز أن تستأجرها لأنواع المهن التي لا يرغب في الإيجار لها، كگراج السيارات وكغسل الملابس ونحو ذلك، فهذه لا يرغب الناس عادة في إيجار منازلهم لها لأنها تؤدي إلى اتساخها وتضررها.

حكم عقود الصيانة

جماعة من ملاك سيارات النقل الكبيرة يتفقون مع خبير في تصليح السيارات يدفعون له مبلغا شهريا عن كل سيارة فإذا لم تتعطل السيارة لا ينقصونه وإذا تعطلت السيارة تعطلا كبيرا وأمضى الخبير وقتا كبيرا وجهدا كبيرا في تصليحها لا يزيدونه على ذلك المبلغ فما حكم هذا العقد؟

أن هذا العقد هو الذي يسمى في عرف القانونيين اليوم بعقد الصيانة، وعقود الصيانة منها ما يتعلق بالمباني ومنها ما يتعلق بالأجهزة والسيارات والطائرات والباخرات ومنها ما يتعلق بالشوارع والطرق ونحوها، وقد اصطلح في عرف أهل اليوم على أن عقود الصيانة لا بد فيها من تحديد، أي أن يحدد مدى ضمان الصائن، فمثلا إذا كان عقد الصيانة على سيارة فتعطلت ماكنتها بالكلية انكسرت ابلوك موتير الماكنة انكسرت حينئذ لا يدخل هذا في ضمان الصائن في العرف في  عادة الناس، وكذلك إذا كان عقد الصيانة يتعلق بجهاز كمبيوتر فاحترق الرام مثلا أو تعطل الهاردسك بحيث لا يستطيع أن يعيده فهذا الجهاز لم يعد صالحا للصيانة فلا يدخل هذا في ضمان الصائن إنما يكون ذلك في القطع المعتادة التي يكثر تعطلها واستبدالها، وهذا العقد فيه لا شك غرر واضح جدا، وهو أن المؤمن عليه قد يتعطل وقد لا يتعطل، كما ذكر في السؤال عن السيارة، لكن هذا الغرر إذا كان يسيرا بأن كثر التعطل في الأمر فيكون ذلك مغتفرا، ومن هنا فعقود الصيانة التي تجرى اليوم منها ما هو مباح ومنها ما هو محرم، فالمباح منها ما إذا كان الإنسان له عقارات مثلا، ويعلم أنه في كل فترة يحتاج إلى تجديد الأصباغ لأن هذه الأصباغ لها مدة معينة في الرطوبة وتبادل الحرارة والبرد لا بد أن تزول ويحتاج المبنى إلى صيانة بإزالة الأصباغ الموجودة وإعادتها من جديد وكذلك الأبواب والنوافذ ومثل ذلك المكيفات الهوائية ونحوها من الأمور التي يحتاج فيها إلى صيانة دورية، والذي ينفق على الصيانة في مثل هذه الأمور معروف عادة ومدة بقائها معروفة، في كثير من البلدان يعرف أن صيانة المباني الكبيرة إنما هي في كل ستة أشهر مثلا، فهذا النوع إذا كان معروفا فهو من الأمور الجائزة، والغرر الذي فيه مغتفر كالغرر الذي في عقد البناء أصلا، فعقد البناء أليس البلوك الذي يبنى به أصلا يتفاوت القدر الذي يوضع فيه من المحار والقدر الذي يوضع فيه من الإسمنت ولا يستطيع الإنسان ضبط ذلك، فلذلك يعفى عن هذا النوع من الغرر اليسير، ومثل ذلك تعطل السيارات، السيارات إذا كانت لمصالح حكومية ونحو ذلك، وكان تعطلها تابعا لأعمالها، فمن المعلوم أن هذه السيارة تؤدي الخدمة الفلانية وتقطع في كل شهر كذا وكذا من الأميال، ومن المعلوم أن هذه الأميال وهذه الخدمة المعينة يحتاج فيها إلى صيانة محددة وهي تبديل الزيوت كلما قطعت 3000 كلم أو 4000 كلم وهي محددة، ومن المعلوم متى تقطع هذا العدد من الأميال فإذا قطعت هذه الأميال تبدل عنها الزيوت، وفي التبديل الثاني تبدل أيضا المصافي المصافي الصغيرة، مصفاة الزيت ومصفاة البنزين إذا كانت مثلا تعمل بالديزل لا بد من إبدال المصافي كلها في التبديل الثاني للزيوت، فهذا النوع من المعروف عرفا ويجوز عقد الصيانة عليه، أما ما يتعلق بإصلاح الماكنات وإصلاح السرعة التي تسمى مثلا ببوات فتس أو بوات اترانسفير مثلا أو نحو ذلك فمثل هذا النوع لا يدخل في عقد الصيانة لأنه من الغرر لأن السيارة قد تعمر ولا تحتاج إليه وقد تحتاج إليه نظرا لمخالفة يقع فيها السائق فلذلك لا بد من حد عقد الصيانة بحدود تمنع الغرر الفاحش، والغرر اليسير معفو عنه في مثل هذا النوع، وقد وضعت في عقد الصيانة عدة ضوابط يمكن الرجوع إليها، وهذه الضوابط منها أولا تجنب الغرر الفاحش، ومنها الضبط الزماني ومنها الضبط المكاني بتحديده، وهذه الضوابط لا بد من مراجعتها حتى يكون العقد منضبطا، والناس اليوم يقدمون على عقود عجيبة جدا فيها من الغرر الشيء الكثير جدا، فيكون عقد الصيانة إنما هو من أكل مال الناس بالباطل، فأنت تدفع مالا على إصلاح سيارتك ولم تحتج إلى الإصلاح أصلا، فهذا النوع من العقود التي فيها التعرض لمثل هذه الدرجة من الغرر حرام، فالنبي (ص) نهى عن بيع الغرر وأكل مال الناس بالباطل حرام، فلذلك لا بد أن يكون العقد مضبوطا بضوابط واضحة، تقلل نسبة الغرر فيه، وهنا التنبيه إلى أمر وهو أن المصانع وأصحاب السيارات ومثل ذلك أيضا المصالح الحكومية التي تصلح الطرق أو المباني تعرف في العادة ما يحتاج إليه للصيانة، والدليل على ذلك أنها تضع بندا في الميزانية مخصوصا بالصيانة، كل مصلحة حكومية أو كل شركة تعرف ما يحتاج إليه للصيانة فتضع له بندا مخصصا من الميزانية بحسب توقع أهل الخبرة، نحن نعلم أنه قد لا يتقيد بالصرف في البنود، قد يؤخذ من بند لآخر، لكن من المعلوم أن التقدير في الأصل إنما كان على أساس خبرة، وإذا كان على أساس خبرة اقتضى ذلك نفي الجهالة المحذورة شرعا، لأن المحذور شرعا هو الغرر الذي سببه الجهالة، فإذا كان هناك تقدير علمي مبناه على عادة وتجربة فهذا كاف في نفي الغرر وإباحة هذا العقد.

حكم حلق العارضين

التحريم الذي ورد في حلق اللحية هل يتناول العارضين أم لا؟

أن اللحية هي ما نبت على العظم الأسفل وهو الحنك الأسفل فهو اللحي، اللحي هو العظم الأسفل أي الحنك الأسفل فما نبت عليه فهو لحية، ومجتمع اللحيين يسمى ذقنا ولا يسمى لحية، اللحية كل هذا، أما مجتمع اللحيين فيسمى ذقنا فقط، ولذلك قال ابن المرحل رحمه الله في نظمه لفصيح ثعلب:* واللحي عظم الفك وهو الأسفل** واجمع على أَلْحٍ إذا تقلل*

* ولحية بالكسر والجمع اللِّحى** بالكسر إن شئت وإن شئت اللُّحى*

فما ورد عن النبي (ص) من الأمر بتوفير اللحى يشمل ما نبت على هذا العظم من مقابل الأذن إلى مقابل الأذن فما نبت على هذا العظم فهو لحية.

حكم الذبح بذبح إمام مسجد لا تقام فيه الجمعة

ما حكم قوم ذبحوا ضحاياهم قبل ذبح خطيب الجمعة لأنهم صلوا العيد بإمام آخر فلما ذبح ذبحوا بذبحه علما أن هذا الأخير إمام مسجد لا تقام فيه الجمعة أصلا والخطيب لا يبعد مسافة ميل عن هؤلاء؟

أن العبرة بإمام صلاة العيد فإذا صلى الإمام العيد وذبح أضحيته فقد حل لمن ائتم به أن يذبح أضحيته، ومثل ذلك من لم يصل العيد وكان ذلك الإمام أقرب إليه، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه عند تعدد المساجد وتعدد الأعياد في المدينة الواحدة فالعبرة بأولهم، فإذا صلى الأول وذبح جاز الذبح لجميع سكان تلك المدينة، لأن العلة التي أناط بها الشرع الحكم لا بد أن تكون وصفا ظاهرا منضبطا هذا هو تعريف العلة لدى الأصوليين، هي الوصف الظاهر المنضبط الذي علق الشارع به الحكم، فلا يمكن أن تعلق الأحكام بأمر مجهول أو مذبذب، فلذلك لا يمكن أن نعلقها على إمام واحد من جميع الأئمة، ولا على مسجد واحد من بين المساجد، فإذا كانت صلاة العيد يجوز تكررها، يجوز أن يصليها عدد من الجماعات في المدينة الواحدة والقرية الواحدة، فإذا ذبح أي إمام منهم فالإمام السابق محل لمن وراءه ذبح الأضحية. ويبقى ما يتعلق بالبيع يوم الجمعة، فإن البيع يحل بنهاية صلاة الجمعة، فإذا كان كالبلد تتعدد فيه الجمع فقد قيل أول من سلم من الأئمة فإنه محل، لأن العلة كما ذكرنا وصف ظاهر منضبط فلا بد من تحددها ، ولا يمكن أن نحدد آخر إمام لأن هذا من المجهولات، لكن أول إمام من المعلومات، فلذلك قالوا: يتعلق النهي بأول إمام يسلم، فإذا سلم أول إمام في المدينة التي أنت فيها فقد أحل البيع.

حكم حلق اللحية

ما حكم حلق اللحية؟

قد سبق الجواب عنه في الحلقة الماضية وذكرنا أن النبي (ص) أمر بتوفير اللحية.

حكم الأكل من مال من يتكسب بالرقيق

لو فصلت في أمر الأكل من مال من يتكسب بالرقيق فلبعض الأخوات أزواج يتكسبون بهذا فكيف يتركن الأكل من ماله؟

قد ذكرنا من قبل أن من له مكاسب متعددة يجوز معاملته مطلقا ويجوز أخذ تبرعاته فمن جل ماله حلال لو اجتمع في ماله حلال وحرام يجوز استعمال ماله، أما من كان كل ماله من حرام فإنه لا يجوز أخذ تبرعاته إلا بمقابل، وإذا كانت المرأة زوجة له ووجدت ما يغنيها عن نفقاته فإنها تستغني بها، وإن كانت لا تجد ما يغنيها فلتأخذ ذلك وليكن على وجه الضرورة فقط.

حكم ستر القدمين بالنسبة للنساء

لو تحدثت عن الجوربين فإن إحدى الأخوات بعد الأمر بستر الأقدام احتجت لي بأنك لم تحرم كشف القدمين؟

أن القدمين مختلف فيهما هل هما عورة أم لا على أقوال كثيرة لأهل العلم، القول الأول أن القدمين عورة لأنهما كبقية الجسم، وهذا قال به بعض المالكية وبعض الشافعية، القول الثاني أن القدمين ليسا بعورة مطلقا أعلاهما وأسفلهما وهذا قول المزني من أصحاب الشافعي، القول الثالث أن أسفلهما ليس بعورة وأن أعلاهما عورة وهذا مذهب أبي حنيفة، القول الرابع أنهما إذا كان فيهما خضاب كانا عورة وإن لم يكن فيهما خضاب فليسا بعورة، ولكن حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي خاصمت به رسول الله (ص) حين أمر الرجال أن لا يتعدوا الكعبين وقال: ما أسفل من الكعبين ففي النار، قالت: يا رسول الله! فما تفعل النساء بأعقابها؟ قال: يرخين شبرا، قالت: إذن ينكشفن قال: يرخين ذراعا، فيه عدم تشدد من الرسول (ص) في ستر القدمين، لكن لا شك أن ستر القدمين فضيلة على كل حال سواء قلنا بأنهما من العورة فيكون ذلك واجبا أو كانا دون ذلك فيكون من الاحتياط ومن فضائل الأخلاق، فهو من فضائل الأخلاق والأعمال ولا ينبغي التفريط فيه.

الحجاب الشرعي

كثيرا ما يدور الجدل في إطار النساء حول مسألة الحجاب الشرعي، فمن قائلة أن المرأة عورة كلها ومن مستثنية للوجه واليدين ومن قائلة بضرورة سواد اللباس فما هو القول الراجح وهل الأورع تغطية الوجه واليدين واتخاذ الثوب الأسود؟

أن الحكم الشرعي يقتضي من النساء أن يسلمن لأمر الله ورسوله، وأن لا يكون تعبدهن اتباعا للهوى وميل النفوس، ولهذا قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فلذلك إذا جاء أمر الله ورسوله على الجميع أن يقول سمعنا وأطعنا، والله عز وجل أمر النساء بالتستر ولم يحدد ما يجب عليهن ستره بالنص، والرسول (ص) أمرهن كذلك، ولكن ثبت عنه (ص) في ثمانية أحاديث صحيحة أن النساء كن في حضرته يكشفن عن وجوههن وكذلك عن أيديهن، فدل هذا على أن الوجه واليدين ليسا بعورة، وكذلك اليدان المقصود بهما الكفان فقط، وكذلك ثبت عنه (ص) أنه كان يكلمهن ويحاورهن ووجوههن بادية، فدل هذا على أن الوجوه ليست بعورة، وكذلك فإنهن لا يجب عليهن بالإجماع ستر الوجوه والأكف في الصلاة، فدل هذا على أن الوجه والكفين في الصلاة ليسا بعورة، وأما لون الثوب فلم يرد فيه نص ولا أمر فيحل للمرأة أي لون شاءت ولكنها يمنع عليها الخروج فيما كان لافتا للانتباه سواء كان أسود أو غير أسود، فما كان لافتا لحسنه أو رائحته فهو محظور... إذا خشيت الفتنة أو خشي عليها الفتنة وجب عليها ستر وجهها وإذا خشيت الفتنة مع ستر الوجه وجب عليها عدم الخروج من البيت، وإذا خشيت الفتنة مع الملابس وهي متغطية تماما وجب عليها أن لا تخرج من البيت أصلا، فالفتنة إذا حصلت وجب قطعها مطلقا.

أدلة تحريم المعازف

أعلم أن الأوتار حرام فأريد لذلك مستندا من الأحاديث والقرآن؟

بالنسبة للأوتار وهي آلات اللهو المعازف محرمة والدليل على ذلك من القرآن قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} وقد ثبت عن ابن مسعود أنه أقسم أن هذه الآية نزلت في الغناء، والدليل عليه من السنة ما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله (ص) قال: إن قوما في آخر الزمان يمسخون قردة وخنازير من هذه الأمة يستحلون الخمر والحرير والمعازف.

حكم زيارة القبور للنساء

ما حكم زيارة القبور للنساء مع العلم أنها تزور والديها وتسافر من مكان بعيد؟

أن زيارة القبور نهى عنها الرسول (ص) في صدر الإسلام حين تكاثر الناس بموتاهم وكانوا يعدونهم فيفخرون بهم، ثم بعد ذلك بعد أن أنزلت سورة: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} قال الرسول (ص): «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة» وفي رواية: فزوروها ولا تقولوا هجرا والهجر الكلام القبيح، وهذا الحديث عام في الرجال والنساء، والدليل على ذلك ما ثبت من حديث عائشة أنها سألت رسول الله (ص) ما تقول إذا زارت الأموات فعلمها أن تقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أمن الله روعتكم وأنس وحشتكم وجعل الجنة موعدا بيننا وبينكم يرحم الله المتقدمين منا والمستأخرين» وكذلك فإن عائشة رضي الله عنها فقدت رسول الله (ص)ذات ليلة وهو عندها فخرجت تبحث عنه فوجدته واقفا تلقاء رءوس المقبرة وهو يدعو لهم فوقفت خلفه ودعت بما دعا به ثم رجعت فسبقته فعرف رسول الله (ص) أنها خرجت تبحث عنه فسألها فقصت عليه الخبر، وعلى هذا فإن المرأة إذا كان بقربها أموات فإنها لا حرج في زيارتها لكن لا تقف على كل قبر، بل تقف أمام المقبرة وتتذكر الآخرة وتدعو لهم بما علم رسول الله (ص) عائشة أن تدعو به، وحينئذ تستفيد المرأة ثلاثة أمور أو تستفيد من ثلاثة أوجه ينبغي ترتيبها، الوجه الأول أن تتذكر أن القبر حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة، وأن صاحبه قد انقطع خبره عن أهل الدنيا، وأن أهل القبور مسجونون في قبورهم، أهل قرب لا يتزاورون وهم في وحشة لا ينفكون، أسارى ذنوب لا ينفكون وأهل قرب لا يتزاورون، وأنهم هنا في هذا الحال إما أن يكونوا في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار، والقبر أول منازل الآخرة وهو أعظم من كل ما قبله وأعظم منه كل ما بعده، هذه الموعظة الأولى، الموعظة الثانية أن تتذكر حال هؤلاء الذين دفنوا في هذه القبور فانقطعت أخبارهم عن الناس، وقد كانوا يظن أنهم من المؤثرين ومن الذين يوثق بهم وتوكل إليهم الأعمال والأمور ومع ذلك أصبح أهلوهم يتصرفون في أمتعتهم بعدهم، فالشخص الذي كان شحيحا بخيلا أصبح ماله يتقاسمه الناس، والشخص الذي كان يحرص على أسراره وأموره المختصة به أصبحت صناديقه مقسمة بين الناس ومفاتحه في أيديهم، وهكذا فملابسه الخاصة يلبسها من سواه، قد انتقل عن هذه الدنيا فأصبح بعد أن كان يخاف من كل شيء في أوحش المنازل وأشدها خوفا، كما قال الشاعر يرثي زوجته:

أنى حللت وكنت جد فروقة** بلدا يحل به الشجاع فيفزع

ولقد تركت صغيرة مرحومة** لم تدر ما جزع عليك فتجزع

فإذا سمعت أنينها في ليلها** طفقت عليك شؤون عيني تدمع

فهنا يقول: \"أنى حللت وكنت جد فروقة بلدا يحل به الشجاع فيفزع\" كانت جد فروقة تحذر أن تبقى وحدها في الغرفة، تحذر من الظلام، تحذر من كل الأمور ومع ذلك أصبحت تعيش في هذه الحفرة الموحشة فهذا هو القسم الثاني من الموعظة التي تحصل لزائر القبور، وهذا القسم هو الذي حصل في أيام معاوية رضي الله عنه، فإن رجلا جاء إلى الشام فرأى جنازة تحمل فخرج مع أهلها فلما دفنوها وقف يبكي وأنشد قول الشاعر:

يا قلب إنك من أسماء مغرور** فاذكر فهل ينفعنك اليوم تذكير

فبينما المرء في الأحياء مغتبط** إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير

يبكي الغريب عليه ليس يعرفه** وذو قرابته في الحي مسرور

فقال له رجل ممن كان يحمل الجنازة: أتعرف قائل هذه الأبيات فقال: لا والله، فقال: قائلها صاحب هذا القبر وأنت الغريب الذي يبكي عليه وهو الذي كان مغبوطا في الأحياء فإذا هو الرمس تعفوه الأعاصير، فكان هذا من المواعظ العجيبة، الموعظة الثالثة أن يتذكر الشخص حال أهل هذا الميت بعد انتقاله عنهم، فإنهم كان ينظر إليهم على أنهم يعيشون في كنفه وأنه هو الذي يتولى أمورهم ويقوم بمصالحهم، وقد انتقل عنهم فلم يتغير شيء في حياتهم، كانوا يظنون أنه المدبر والمنفق عليهم وأنه لا يأتيهم رزق إلا من قبله فانتقل فلم يتغير شيء من أمورهم البتة، كما قال الشاعر:

تقلبت الدنيا كأن ليس حادث** وما اختل من صرف الزمان نظام

لم يختل أي شيء مما كان، فهذا يدل على أن الله وحده هو المدبر الحي القيوم الخالق الرازق، بعد هذا تأتي موعظة في الختام وهي أن يتذكر الزائر للقبور أن أحسن أحواله أن يدفن كما دفنوا، أن يموت بين المسلمين فيصلى عليه فيعود كما عادوا وينقطع خبره، لا يصل منه خبر ولا اتصال هاتفي ولا رسالة ولا أي خبر إلى أهل الدنيا، فهذه الموعظة النهائية الأخيرة، وهذا لا يقتضي التجول بين الأجداث والمرور عليها والوقوف عليها والجلوس عليها فهذه أمور محذورة شرعا، زيارة القبور الشرعية أن يقف الشخص أمام القبور حتى يراهم ويتعظ بحالهم، ولا ينبغي أن يتدخل بينهم وأن يمر على القبور ويجلس على بعضها فقد جاء في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: «لأن يجلس أحدكم على جمر فيحرق ثوبه فيصل إلى جسده خير له من أن يجلس على قبر» وكذلك المرور على القبور والخروج من فوقها كل هذا مما لا ينبغي، فعلى الشخص أن يقف لقصد الموعظة وقصد الدعاء، فأصحاب القبور إذا كانوا مؤمنين ينتفعون بدعاء من دعا لهم، والزائر هو المنتفع الفائدة الكبرى بهذه المواعظ التي ذكرناها وليس بينه وبين الأموات أية صلة غير هذا، لا يمكن أن يستفيد منهم أي منفعة ولا أن يوصل إليهم أي خبر، ولا أن يعرف من أمورهم أي شيء، إنما يستفيد فقط من هذه المواعظ، بالنسبة للسفر إلى الأموات لقصد الزيارة حتى ولو كان من بعيد، السفر إلى الأموات لقصد الزيارة محل خلاف بين أهل العلم، والذي يبدو لي أنه إذا كان إلى الوالدين مثلا أو كان الشخص يحتاج إليه في قسوة يجدها  في قلبه، يحتاج إلى أن يتذكر أنه سيدفن في هذه التربة على الغالب وإلا فهو لا يدري أين يدفن، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} فإذا كان كذلك فلا أرى بأسا بخروجه مسافرا لهذا الغرض، لكن ينبغي أن ينوي بذلك سياحة في سبيل الله وتفكرا في عجائب خلق الله تعالى وموعظة، وأن لا يطلب شيئا من هذه الزيارة من الأمور التي يسافر لها الناس، فكثير من الناس يسافرون إلى أصحاب القبور المساكين الذين لا يدرى هل هم في جنة أو في نار ويطلبون منهم ما لا يقدرون عليه في حياتهم فكيف بموتهم؟ والله تعالى يقول: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}، وقد جاء في كتاب الله تعالى قول الله مخاطبا محمدا (ص) الذي هو خيرة الله من خلقه: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} وجاء فيه قول الله تعالى: {وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ} وجاء فيه قول الله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ}، فكل هذا يقتضي عدم الاتصال بين الأحياء والأموات نهائيا، وكذلك قول الله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من ورائهم برزخ أي من دونهم حاجز يحول بينهم وبين الحياة الدنيا وما فيها إلى يوم يبعثون، {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} وأما الاستدلال بأن الرسول (ص) خاطب أهل القليب يوم بدر فهذا ليس حجة في الموضوع، لأنه إنما علم عن طريق الوحي أنهم يسمعون وأن هذا من تعذيبهم وهو تعذيب لهم لا مسرة تدخل عليهم، فهو مما يزيد عذابهم، ولذلك قال: «ما أنتم بأسمع منهم لما أقول» فهذا من جنس عذابهم ولا يستدل به في النعيم، وعلى كل فحتى لو قدر أن الأموات يسمعون فإنهم لا ينتفعون بسماع شيء مما يصل إليهم أبدا، وهذا محل إجماع أنهم لا ينتفعون بالسماع، لكن هل يسمعون أم لا هذا محل الخلاف، لكن هل ينتفعون بالسماع هذا لم يقل أحد بانتفاعهم به، لا ينتفعون بشيء مما يسمعون.

حكم ذهاب من عليه دين للجهاد

من عليه دين ولا يستطيع في الحال دفعه هل يجب عليه أن يذهب ليجاهد؟

أن الدين من حقوق الآدميين وهي مقدمة على حقوق الله، لأن حقوق الآدميين هم فقراء إليها، وحقوق الله، الله غني عنها، فلذلك لا بد أن يستأذن أصحاب الدين في الأسفار كالحج والجهاد ونحو ذلك فإذا أذنوا فلا حرج يسافر الإنسان، وإذا لم يأذنوا فلا بد أن يؤدي إليهم حقوقهم.

حكم اللحية والشارب

ما حكم حلق اللحية وإعفاء الشارب؟

ثبت عن رسول الله (ص) في صحيح البخاري أنه قال لرسولي كسرى: لكن أنا أمرني ربي بإعفاء لحيتي وإحفاء شاربي، وثبت عنه في صحيح مسلم أنه قال: وفروا اللحى، وثبت عنه كذلك أنه قال: قصوا الشوارب ووفروا اللحى، وثبت عنه (ص) أنه قال أرخوا اللحى، وثبت عنه أنه قال أركوا اللحى، وكل هذا معناه توفير اللحية والأخذ من الشارب، وتوفير اللحية معناه تركها وافرة، واللحية معناه ما نبت على عظم اللحي، واللحي هو الفك الأسفل فما نبت عليه بنص هذه الأحاديث الثمانية الصحاح عن رسول الله (ص) يجب إعفاؤه، أي توفيره والشارب هو ما نبت على الشفة العليا، فيجب الأخذ منه، ولا يحل تركه يدخل الفم ويشوه الصورة، ولكن اختلف في الذي يجب أخذه منه، فذهب جمهور أهل العلم إلى أن الذي يجب أخذه هو ما يغطي الطرة، وأن ما زاد على ذلك الإنسان فيه في سعة، وقد أمر رسول الله (ص) بنهكه فقال بعض أهل العلم ينبغي حلقه، وبهذا أخذ أبو حنيفة، وقال أحمد ينهك نهكا قويا ولا يحلق، وقال مالك رحمه الله من حلقه يؤدب لأنه قد مثل بنفسه، هذا تمثيل مثل حلق الحاجب، ولكنه ينبغي أن يأخذه أخذا شديدا كما كان أصحاب رسول الله (ص) يفعلون وقد ثبت أن رسول الله (ص)دخل عليه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وقد ستر شاربه طرته أي طرف الحمرة الذي في شفته فأضجعه وأخرج سواك وجعله على طرته وأخذ شفرة فقطع بها ما طر من شعره فلم تزل قصة المغيرة بعد كذلك حتى لقي الله، لم يزل المغيرة إذا أراد أن يقص شاربه أخرج سواكه وجعله على فمه واضطجع وقص ليفعل ما فعل به رسول الله (ص).

حكم الأكل من مال من يتكسب بالرقيق

لو فصلت في أمر الأكل من مال من يتكسب بالرقيق فلبعض الأخوات أزواج يتكسبون بهذا فكيف يتركن الأكل من ماله؟

قد ذكرنا من قبل أن من له مكاسب متعددة يجوز معاملته مطلقا ويجوز أخذ تبرعاته فمن جل ماله حلال لو اجتمع في ماله حلال وحرام يجوز استعمال ماله، أما من كان كل ماله من حرام فإنه لا يجوز أخذ تبرعاته إلا بمقابل، وإذا كانت المرأة زوجة له ووجدت ما يغنيها عن نفقاته فإنها تستغني بها، وإن كانت لا تجد ما يغنيها فلتأخذ ذلك وليكن على وجه الضرورة فقط.

حـــكم ستر القدمين بالنسبة للنساء

لو تحدثت عن الجوربين فإن إحدى الأخوات بعد الأمر بستر الأقدام احتجت لي بأنك لم تحرم كشف القدمين؟

أن القدمين مختلف فيهما هل هما عورة أم لا على أقوال كثيرة لأهل العلم، القول الأول أن القدمين عورة لأنهما كبقية الجسم، وهذا قال به بعض المالكية وبعض الشافعية، القول الثاني أن القدمين ليسا بعورة مطلقا أعلاهما وأسفلهما وهذا قول المزني من أصحاب الشافعي، القول الثالث أن أسفلهما ليس بعورة وأن أعلاهما عورة وهذا مذهب أبي حنيفة، القول الرابع أنهما إذا كان فيهما خضاب كانا عورة وإن لم يكن فيهما خضاب فليسا بعورة، ولكن حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي خاصمت به رسول الله (ص) حين أمر الرجال أن لا يتعدوا الكعبين وقال: ما أسفل من الكعبين ففي النار، قالت: يا رسول الله! فما تفعل النساء بأعقابها؟ قال: يرخين شبرا، قالت: إذن ينكشفن قال: يرخين ذراعا، فيه عدم تشدد من الرسول (ص) في ستر القدمين، لكن لا شك أن ستر القدمين فضيلة على كل حال سواء قلنا بأنهما من العورة فيكون ذلك واجبا أو كانا دون ذلك فيكون من الاحتياط ومن فضائل الأخلاق، فهو من فضائل الأخلاق والأعمال ولا ينبغي التفريط فيه.

الحجاب الشرعي

كثيرا ما يدور الجدل في إطار النساء حول مسألة الحجاب الشرعي، فمن قائلة أن المرأة عورة كلها ومن مستثنية للوجه واليدين ومن قائلة بضرورة سواد اللباس فما هو القول الراجح وهل الأورع تغطية الوجه واليدين واتخاذ الثوب الأسود؟

أن الحكم الشرعي يقتضي من النساء أن يسلمن لأمر الله ورسوله، وأن لا يكون تعبدهن اتباعا للهوى وميل النفوس، ولهذا قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فلذلك إذا جاء أمر الله ورسوله على الجميع أن يقول سمعنا وأطعنا، والله عز وجل أمر النساء بالتستر ولم يحدد ما يجب عليهن ستره بالنص، والرسول (ص) أمرهن كذلك، ولكن ثبت عنه (ص) في ثمانية أحاديث صحيحة أن النساء كن في حضرته يكشفن عن وجوههن وكذلك عن أيديهن، فدل هذا على أن الوجه واليدين ليسا بعورة، وكذلك اليدان المقصود بهما الكفان فقط، وكذلك ثبت عنه (ص) أنه كان يكلمهن ويحاورهن ووجوههن بادية، فدل هذا على أن الوجوه ليست بعورة، وكذلك فإنهن لا يجب عليهن بالإجماع ستر الوجوه والأكف في الصلاة، فدل هذا على أن الوجه والكفين في الصلاة ليسا بعورة، وأما لون الثوب فلم يرد فيه نص ولا أمر فيحل للمرأة أي لون شاءت ولكنها يمنع عليها الخروج فيما كان لافتا للانتباه سواء كان أسود أو غير أسود، فما كان لافتا لحسنه أو رائحته فهو محظور... إذا خشيت الفتنة أو خشي عليها الفتنة وجب عليها ستر وجهها وإذا خشيت الفتنة مع ستر الوجه وجب عليها عدم الخروج من البيت، وإذا خشيت الفتنة مع الملابس وهي متغطية تماما وجب عليها أن لا تخرج من البيت أصلا، فالفتنة إذا حصلت وجب قطعها مطلقا.

أدلة تحريم المعازف

أعلم أن الأوتار حرام فأريد لذلك مستندا من الأحاديث والقرآن؟

بالنسبة للأوتار وهي آلات اللهو المعازف محرمة والدليل على ذلك من القرآن قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} وقد ثبت عن ابن مسعود أنه أقسم أن هذه الآية نزلت في الغناء، والدليل عليه من السنة ما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله (ص) قال: إن قوما في آخر الزمان يمسخون قردة وخنازير من هذه الأمة يستحلون الخمر والحرير والمعازف.

وجوب إقامة حدود الله

يقول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} هل الأمر هنا للوجوب وإذا كان الجواب بنعم فمن المسؤول عن ذلك وهل تأثم البقية إن لم يأمروه بذلك؟

أن الأمر للوجوب، وأن هذا حد من حدود الله وقد أوجبه الله تعالى على عباده، وقد قال النبي (ص): «لحد واحد يقام على الأرض خير لأهلها من أن يمطروا سبتا» أي أسبوعا كاملا، وفي رواية «من أن يمطروا شهرا» أنتم تعرفون حاجة الناس إلى المطر وتعرفون فائدته على الأرض وتنقيته للهواء وإحياءه لموات الأرض، ومع ذلك حد واحد يقام على الأرض خير لأهلها من أن يمطروا شهرا، وتعطيل الحد تعطيل أي حد من حدود الله هو محادة لله في ملكه، كما في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي (ص) قال: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد حاد الله في ملكه» فلذلك يجب على أولياء الأمور على كل من ولاه الله أمر المسلمين أن يقيم حدود الله سبحانه وتعالى وأن يؤديها على الوجه الصحيح، ولا بد أن نعلم نحن كذلك معشر الشعب المسلم أن قطع يد السارق ليس اعتداء ولا ظلما ولا هو قسوة، فلا أحد أرحم من أرحم الراحمين الذي خلق الإنسان وخلق له يدين وعينين وأذنين فهو أرحم الراحمين وهو الذي كتب هذا الحد وهو الذي جعل فيه العلاج، وكثير من الناس يظنون أن تطبيق الإسلام معناه تقطيع الأيدي والأرجل كما يزعم بعض الناس، والواقع أن الكفر هو اليوم الذي يقطع الأيدي والأرجل والأعضاء كلها، ألا تشاهدون دك البيوت على أهلها في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها، أليس هذا تقطيعا للرءوس والأطراف كلها، ومع ذلك يزعمون أن حقوق الإنسان على خلاف هذا، فلذلك لا بد أن لا نغتر بهذه الدعايات المغرضة، وأن نعلم أن الذين يروجون لها مغرورون بالكفار موالون لهم، فلذلك لا يمكن أن يؤخذ عنهم ما يقولونه.

وإذا لم تقم حدود الله فهذا محادة الله في أرضه ومحادة الله معناه عداوته، وإذا عادى أهل الأرض الله فإنهم لا يضرون الله وهو قادر عليهم، فما أهون الأرض وأهلها على الله إذا عصوه.

والناس آثمون جميعا إذا لم يطالبوا بإقامة حدود الله وإذا لم يدعوا كل سلطان وكل من تولى أمرا من أمور المسلمين إلى إقامة حدود الله ورعايتها وإقامة شرع الله كله، فيجب على الشعوب أن تطالب بذلك وإذا قصرت في ذلك فهي شريكة لأولياء الأمور في الإثم.

حكم الإنفاق من مال اليتيم على أخيه

امرأة لها أولاد من بينهم من هم بكم صم لا يسمعون ولهم مبلغ من المال، هل يجوز للوالدة أن تأخذ مالهم من أجل أن تنفق به على إخوتهم الصغار دون علمهم وما حكم ذلك؟

نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالهم وأن يقر عينها بهم، الجواب أن هؤلاء الأولاد مالهم لهم ولا تجب عليهم نفقة إخوتهم فلذلك لا تأخذ منه الأم إلا ما كان من باب المخالطة وقد قال الله تعالى: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} فتأخذ منه ما تحتاج هي إليه في نفقاتها الضرورية، وتنفق عليهم منه بالمعروف، وتحاول تنميته لهم، لكن لا تنفق منه لقصد الإتلاف دون مقابل لهم ودون انتفاع، فهم لا تجب عليهم نفقة إخوانهم.

كيفية التوبة من المال المسروق

ما حكم من سرق مائة ألف ثم تاب وأراد ردها هل يردها وأرباحها أم يرد ما أخذ فقط؟

أن الإنسان إذا أخذ مالا حراما فتاجر به فربح فالمال الحرام ليس له ونصف الربح أيضا ليس له، لأن نصف الربح تابع لرأس المال وما سوى ذلك هو التابع لغلته هو، فهو الذي له، فلا بد أن يخرج من أصل المال وأن يخرج من نصف الربح معه كذلك، ولا بد أن يرده إلى من سرقه منه، ولا بد أن يسترضيه كذلك في المدة التي مكث معطلا لماله.

لبن المرأة بعد مضي سنتين من الرضاعة

هل لبن المرأة بعد مضي سنتين من الرضاعة ينشر المحرمية أو لا ينشرها؟

أن هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والراجح أنه ينشرها، لأن اللبن بمكوناته مؤد لإنشاز العظم وإنبات اللحم، وهي العلة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرج أبو داود في السنن وغيره بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنشز العظم وأنبت اللحم مُحَرِّم». وقال: «لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان». وهذان الحديثان صريحان في أن المقصود هو تغذية الولد بحيث ينبت عظمه ولحمه من لبن المرأة، وإذا حصل ذلك فإن بعض جسمه ناشئ عن بعض جسم المرأة فكان ابنها من الرضاعة، لعدالة الله جل جلاله، وقد قال الله تعالى: ﴿حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم﴾. فقال: ﴿أمهاتكم اللاتي أرضعنكم﴾، ولم يقل أمهاتكم من الرضاعة كما قال: ﴿أخواتكم من الرضاعة﴾، وهذا دليل على أن بعض الجسم نبت من لبنها فصارت أما به.

ويستشهد القائلون بهذا بقصة الحسن بن أبي الحسن البصري رحمه الله وهو من أئمة التابعين، وقد كانت أمه تخدم أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، وأمه أسرت في غزوة المواري في خلافة عمر رضي الله عنه، فتزوجها أبوه وهو مولى للأنصار، فولدت الحسن، فكانت أمه تخدم أم المؤمنين أم سلمة فكانت أم سلمة إذا بكى هذا الولد أعطته ثديها فارتضع منه، فنزل لبن من ثديها، من ثدي أم المؤمنين أم سلمة، في خلافة عثمان بعد وفاة عمر، فكان الحسن يفخر بأنه ارتضع لبن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يولد الحسن إلا في آخر أيام عمر، ولم يرو عنه ولم يره، وقد روى عن عثمان وعلي وغيرهما من الصحابة الكبار.

وقد ذكر البدوي رحمه الله هذه القصة، وقد ذكرها الذهبي وغيره من كبار الأئمة، يقول البدوي في نظم الأنساب:

والحسن البصري من ذراري** من أخذوا من غزوة المواري

نال العلا من ثدي أم سلمه** إذ أمه لأمنا كانت أمه

من شرب لبن زوجته

ما حكم من شرب لبنا احتلبته زوجته من ثديها بغير علم منه؟

أنه إذا كان كبيرا قد تجاوز سن الرضاع فالراجح أن ذلك لا يقتضي حرمة ولا انتشارا للمحرمية، لأن الإنسان إذا شرب بعد أن أكمل سنتين وشهرين أو ارتضع فذلك لا ينشر المحرمية، فالرضاع وقته هو في المدة التي حدد الله، وقد قال الله تعالى: ﴿وحمله وفصاله ثلاثون شهرا﴾، وقال تعالى: ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين﴾، وقال تعالى: ﴿وفصاله في عامين﴾.

فإذا الفصال وهو الرضاع في عامين، وما زاد على ذلك فقط هو بالشهرين المكملين، لأن بعض أهل العلم فسروا قوله تعالى: ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين﴾، أن كاملين هي بزيادة شهرين، فما كان خارج ذلك لا ينشر المحرمية على مذهب جمهور أهل العلم وعلى الراجح إن شاء الله.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ينشرها مطلقا وهذا الذي يسمى برضاع الكبير، وقد رأت عائشة رضي الله عنها أنه ينشر المحرمية، وخالفها في ذلك أمهات المؤمنين، وأهل هذا القول يستدلون بحديث سهلة بنت سهيل بن عمرو وكانت زوج أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة رضي الله عنهما وهما من المهاجرين، وكان يسكن عندهما سالم وقد اشتهر بسالم مولى أبي حذيفة، وهو مولى لامرأة من الأنصار فكان يدخل على سهلة وهي فُضُلٌ، أي في ثوب النوم فقط، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أرضعيه»، فأرضعته فكان يدخل عليها، في ذلك الحال، وأخذت عائشة رضي الله عنها بأن رضاع الكبير ينشر المحرمية، وخالفها جميع أمهات المؤمنين فرأين أنه لا ينشر المحرمية، وأن هذا كان رخصة لسهلة وحدها مع سالم وحده، فلا يتعدى محله فيكون من واقعات الأعيان.

موقف الإمام من الجنازة

ما موقف الإمام من الجنازة سواء كانت ذكرا أو أنثى؟

أن أنس بن مالك رضي الله عنه جيء بجنازة رجل فقام قبالة كتفيه أي قبالة منكبيه فصلى عليه، فجيء بامرأة فقام عند عجيزتها فصلى عليها، فقيل: أهكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الرجل والمرأة، قال: نعم رأيته هكذا يصلي، فهذا يدل على أن الرجل يقف الإمام قبالة أعلاه وأن المرأة يقف الإمام قبالة وسطها، فهذا هو الموقف الذي ورد فيه هذا الحديث المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سوى ذلك من آراء الفقهاء ليس فيها حديث مرفوع، وبهذا يعلم أن الراجح هو هذا الموقف وأنه يختلف بالنسبة للرجل عن المرأة. وإذا كان الإمام يصلي على جنازتين فإن جنازة الرجل ستكون تليه وجنازة المرأة بعدها، لأن الترتيب ترتيب الجنائز أن يلي الإمام الرجل البالغ ثم بعده المرأة البالغة ثم الصبي ذكرا أي الصبي الذكر ثم بعد ذلك الصبية الأنثى، على هذا الترتيب، فالذي يليه هو الذي يكون الحكم له، فلذلك إذا كان يليه رجل فيقف قبالة كتفيه ولا عبرة بما وراء ذلك من الجنائز.

الصناديق المالية

\ما حكم صندوق مالي اجتماعي نسوي لكل واحدة منه في حالة الزواج أو الولادة، ولا يشترط فيه أن تكون المستفيدة تدفع فيه؟

أنه إذا لم يرجع إلى الدافعة شيء، ولم يشترط أن تكون الدافعة يعود إليها مثل ما دفعت فلا حرج فيه لأنه من التعاون على البر والتقوى، وقد ذكر أهل العلم أنه يجب على المسلمين جمع مال تقضى به حقوق بيت المال إذا لم يكن بيت المال منتظما، فمثلا المواساة الواجبة إذا لم يكن في بيت المال كفاية، أو وضع الحكام أيديهم على بيت المال فلم يصرفوه في مصارفه الشرعية، فحينئذ يجب على المسلمين أن يجمعوا مالا يسدوا به خلة بيت المال، ومن ذلك النفقة على طلاب العلم الذين يدرسون فروض الكفاية، ومن ذلك علاج المرضى والنفقة على المحتاجين وكفالة الأيتام وغير ذلك من الفروض الكفائية التي هي واجبة، فإذا لم يوجد في بيت المال كفاية أو وجدت ولم تصل إلى مصارفها فيجب على المسلمين أن يجمعوا مالا يسدون به هذه الخلة، ومن ذلك هذه الصناديق التي تكون تعاونية محضة ليست ذات طابع تجاري فيه معاوضة، أما إذا كانت كل واحدة تدفع ألفا، وتأخذ الجميع إحداهن هذا الشهر، ثم تدفع كل واحدة ألفا فتأخذ الجميع إحداهن في الشهر القادم وهكذا سواء كان ذلك عن طريق القرعة أو كان عن طريق لائحة متعارف عليها فهذا لا يجوز لأنه من باب المعاوضة وهو سلف جر نفعا لأن كل واحدة دفعت الألف من أجل أن تأخذ ثلاثين ألفا مثلا، وسيكون ذلك قرضا فهو من قاعدة ربوية معروفة وهي أسلفني على أن أسلفك.

الفرض المضيق والموسع

ما هو الفرض المضيق وما هو الفرض الموسع؟

أن الفرض عند الأصوليين ينقسم ثلاث تقسيمات، فينقسم باعتبار فاعله إلى فرض عين وفرض كفاية، وينقسم باعتبار ذاته إلى معين ومبهم، وينقسم باعتبار وقته إلى موسع ومضيق، فالموسع هو الذي قدر له الشارع وقتا أكثر منه، كوقت صلاة الظهر مثلا يبدأ من زوال الشمس حتى يصير الظل قدر القامة، فهذا الوقت يمكن أن تؤدى فيه أربع ركعات عددا من المرات، فهو أوسع من الفرض المطلوب، والفرض المضيق هو الذي جعله الشارع على قدر العبادة المفروضة فيه، لا يتجاوز وقته، فمثلا صيام أيام شهر رمضان هذا واجب مضيق، لأن الإنسان ليس له بديل، إذا لم يصم هذا اليوم فيكون عاصيا مخالفا، فيجب عليه صيام هذا اليوم بعينه إذا كان خاليا من الموانع مستكملا للشروط فإذا هذا الفرق بين الواجب المضيق والواجب الموسع.

حكم الاستمناء

هل يجوز الاستمناء باليد أو الخرقة ونحوهما؟

أن الاستمناء باليد ونحوها محل خلاف بين أهل العلم، وقد ورد فيه أحاديث كلها موضوعة أو ضعيفة، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تحريمه استدلالا بقول الله تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون] وذهب آخرون إلى جوازه، ويتحصل من القولين قول بالكراهة، وقد روي عن ابن عباس الإفتاء بكراهته فقال: نكاح الأمة خير منه، والذين يرون الجواز يرون أن الأصل الإباحة فيما لم يرد فيه نهي وهو إخراج لفضلة من فضلات البدن كمخاط الأنف ونحوه، والذين يرون الحرمة يرون أنه مما وراء ذلك كما في آية سورة المؤمنون، وقد قال بعض الفقهاء الذين يرون الإباحة:

إذا خلوت بواد لا أنيس به** فاجلد عميرة لا إثم ولا حرج

والعرب يسمون ذلك الاستمناء جلد عميرة، لكن هذا لا يكفي في الاستدلال، والاحتياط والورع أن يأخذ الإنسان بالجانب الأحوط وهو التحريم لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون].

 

 

 

 

 

آخر تحديث للموقع:  الأحد, 20 أكتوبر 2024 09:45 

اشترك في القناة

فقه الحج

موقع مركز تكوين العلماء

برامج تلفزيونية

جديد الموقع

إحصائيات

المتصفحون الآن: 190 

تابعونا علــــى:

تابِع @ShaikhDadow