خطاب الضمان البنكي
"خطاب الضمان البنكي".
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكر الله للأخوين فقد أفادا وأجادا وألما بجوانب هذا الموضوع، ولكن لنا أن نسأل عن تعريف الضمان الذي تكلم عنه الفقهاء وذكروا فيه الإجماع على عدم جواز أخذ الأجرة عليه، وهل ينطبق هذا التعريف على ما نحن فيه؟، فقد وجدنا أن ما نتحدث عنه اليوم ينقسم إلى ثلاث صور: الصورة الأولى: الضمان الابتدائي، وهذا كله ليس ضمانا لأن الضمان معناه شغل ذمة أخرى، وفي الضمان الابتدائي لم تشغل الذمة الأولى أصلا فكيف تشغل الذمة الثانية، الذمة الأولى غير مشغولة أصلا، هذه الصورة وإن سميناها في اصطلاحنا اليوم وفي عرفنا ضمانا ليس ضمانا بالمعنى الفقهي نهائيا، الصورة الثانية: هي الضمان النهائي المغطى، وهذا أيضا ليس ضمانا لأن الذمة ما شغلت في الواقع، لأن المال موجود، وهو في اعتماد موجود باسم شخص، فإنما هو مجرد وكالة على مقاصة، فلذلك لا يعتبر هذا ضمانا نهائيا، أما الصورة الثالثة: وهي خطاب الضمان النهائي المغطى جزئيا أو غير المغطى، وهذه هي التي تدخل في الباب الذي نحن فيه، وهذه ما كان منها مغطى جزئيا كما هو الحال عندنا في البنوك المحلية الإسلامية وغيرها، وهو الذي يقتضيه القانون الموريتاني، يمكن للبنك حيلة أن يأخذ أرباحه أو مقابل خدماته في الجانب المغطى، ويكون الجانب غير المغطى قرضا، ومن الحلول الدائم للإسلامية في العقود تجزئتها، بدل أن يكون العقد لو أخذناه كاملا محرما نجزئه فنجعله عقدين، هنا عقد مقاصة وفي مقابلها للبنك أن يأخذ مقابلا للخدمة التي يقدمها لأن القاعدة المنصوصة في القواعد الفقهية هي أن كل من قدم خدمة لغيره حيث لا يجب عليه ذلك فله أخذ أجرته، فلذلك نجعل هذا العقد عقدين، العقد الذي هو مقابل للمغطى هو مقاصة والعقد الذي ليس مغطى هو سلف فلا يؤخذ في مقابله شيء، وبهذا يعلم أن ما تحدث عنه الدكتور محمدن في البنك الشعبي نظر اللجنة فيه أن هذا ليس ضمانا أصلا، فالهيئة الشرعية إنما أباحت ذلك لأنها لا تراه ضمانا أصلا ولا يدخل في تعريف الضمان، وإنما هو إفادة أن هذا الشخص جاد، لأن المطلوب في المناقضات والمقاولات ضمان جدية المشارك المتقدم للمسابقة، فلذلك الورقة ليس فيها تعهد من البنك بأي دفع عنه، وإنما هي ضمان لجديته، وهو أيضا لم تشغل ذمته بشيء أصلا، فالصورة التي ذكرها الدكتور محمدن فيما يتعلق بأخذ العوض ثم إرجاعه إن تبينت مماطلة أو تبين عدم وفاء، هذه الصورة إنما تصح على مذهب الحنفية الذين يرون أن الربا هو الزائد، يرون أن العقد في الأصل مباح وأن الزيادة هي الربا فالمحرم هي الزيادة فقط فإذا ردت الزيادة صح العقد، أما المالكية والشافعية والحنابلة فيرون أن عقد الربا هو العقد بكامله وأنه حرام كله زيادته وأصله، فإنما تمشي هذه على مذهب الحنفية فقط.
لذلك أرى أن هذا الخطاب إذا سميناه ضمانا فهذا من باب تسمية الشيء بغير اسمه، وهو جائز لأنه لا مشاحة في الاصطلاح، وقد قال الشيخ محمد عالي رحمة الله عليه:
تسمية العين بغير اسمها***لا تنقل الاعيان عن حكمها***
لا تقتضي منعا ولا تقتضي*** إثبات حق ليس في قسمها***
بل حكمها من قبل في أمسها*** كحكمها من بعد في يومها***
فائدة مهمة ينبغي*** إيقاف من يفتي على فهمها***.
ودليل هذه القاعدة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن قوما في آخر الزمان يسمون الخمر بغير اسمها، فهي خمر ولو سموها بغير اسمها لا يبيحها ذلك، وهذا فصله ابن قدامة رحمه الله في "المغني" فيما يتعلق بتسمية كل عين بغير اسمها وأنه لا يغير الحكم المتعلق بها.
أرجو أن يكون المشايخ الذين سيناقشون هذا الموضوع أن يطلعوا على البحوث كما هي على أصلها، وأن يركزوا على جهة التصور أولا، قبل التصديق، كما ذكر الشيخ محمدن، فالعقود اليوم كثرت والأسماء قليلة، فنحن نمسي كثيرا من العقود الجديدة بأسماء قديمة، فينسحب عليها أحكام مدونة لا تتعلق بها، فهذا الضمان اليوم الذي هو ورقة يصدرها البنك على أن المشارك في هذه المناقصة كفؤ للقيام بهذه المهمة ويأخذ في مقابل هذه الإفادة مالا لم تكن موجودة قطعا في عهد السلف، ولا يعنيها الفقهاء وقت كلامهم، لأنها عقد جديد ومنتج حديث.
ومن المعلوم أن أضعف أنواع الاستصحاب لدى الأصوليين هو استصحاب حال الإجماع فإذا كان الاجماع منعقدا على صورة فجاءت صورة أخرى تشبهها، أو نقل هذا الاجماع إلى صورة ليس فيها القيد الذي هو في الأولى فهذا أضعف أنواع الاستصحاب، ولذلك لم يقل به إلا عباد الصيمري من الشافعية وحده، جمهور المذاهب الأربعة على عدم الأخذ باستصحاب حال الاجماع، وهو أضعف أنواع الاستصحاب.
- القسم: فقه عام
- تحميــل
- المشاهدات:10317
آخر تحديث للموقع: الثلاثاء, 12 نوفمبر 2024 13:54