الأعمال التي يصل أجرها للميت
"الأعمال التي يصل أجرها للميت":
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة شيخنا الدكتور اسماعيل –حفظك الله- الكلام الذي نقلتموه عن الموفق ابن قدامة –رحمه الله- ليس على إطلاقه، فبعد تمذهب المذاهب وتدوينها وكتابتها كل أمر اختلفت فيه المذاهب لا يمكن انعقاد الإجماع عليه وبالأخص الإجماع السكوتي، فمن المعلوم أن كل أهل مذهب يتمسكون بما لديهم ولا ينكرون على المذاهب الأخرى بعد تدوينها فلا يكون ذلك إقرارا بذلك المذهب المخالف، إنما يكون الاعتماد على الإجماع السكوتي قبل تدين المذاهب، ومن المعلوم أنه قبل تدوين المذاهب لم يكن لهذا الاجتماع ولا لهذه القناعة أصل، بل الأصل قول الله تعالى: "أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى"، وقد تكرر في القرآن أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وكذلك تكرر فيه ما يدل على هذا المعنى مثل قول الله تعالى: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود ولو أن بينها وبينه أمدا بعيدا"، ومثل قوله تعالى: "واتقوا يوم ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"، فالآيات في أن الإنسان لا ينال إلا عمله كثيرة جدا، وقد استثنى من ذلك الحديث ثلاثة أمور بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية)، وورد في آحاديث أخرى بعض الفضل في بعض الأمور المستمرة مثل من ورث مصحفا لكن هذه كلها تدخل في عموم الثلاث في عموم علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية، والسيوطي نظمها فقال:
إذا مات ابن آدم ليس يجري*** عليه من خصال غير عشر*، وذلك جمع لهذه الأحاديث لكنها ترجع في عمومها إلى حديث أبي هريرة عند مسلم الذي ذكرناه، فتعود إلى هذه الأصول الثلاثة، وأما الإهداء أي للميت إهداء القرآن للميت فهو مذهب الحنفية والحنابلة لكن يشترطون لوصوله أن يقول القارئ قبل قراءته اللهم أجعل ثواب ما سأتلو وبركة ما سأقرأ هدية مني واصلة ورحمة منك نازلة إلى روح فلان ويسميه، وما سوى وذلك كالحج والعمرة ونحوه فالخلاف فيه قائم والمالكية ومعهم الشافعية يرون أن المحجوج عنه لا يكتب له أجر حجة كاملة لكن يكتب له أجر الدعاء والنفقة، ولذلك قال خليل رحمه الله لا يسقط حج من حج عنه وله أجر الدعاء والنفقة، فالدعاء لا خلاف في وصوله للأموات لأن الله قال "وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم"، والصدقة كذلك لا خلاف في وصولها إلى الأموات فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالتصدق عنهم، لذلك يقول أحد علمائنا:
أجر الطعام والدعا إن بذلا***للميت لا خلاف في أن يصلا*.
وما سوى ذلك كله داخل في محل الخلاف، وأما الاجتماع عند أهل الميت وتكليفهم فهو خلاف المقصد الشرعي وقد قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه كنا نعد الاجتماع عند أهل الميت من النياحة، وتعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من النائحة، وتكليفهم كذلك مخالف للمقصد الشرعي فينبغي أن يعانوا وأن لا يكلفوا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم).
أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا وأن يرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا وأن يرزقنا اجتنابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
- القسم: الفتاوي
- تحميــل
- المشاهدات:28022
آخر تحديث للموقع: الثلاثاء, 12 نوفمبر 2024 13:54