لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها
" لن يصلح آخر هذه الأمة الا بما صلح به اولها "..عنوان محاضرة لفضيلة الشيخ – حفظه الله – ألقيت ب(جامع التوابين) في عرفات .
وقد تناولت مرجعية الوحي في حياة الأمة وان أول هذه الأمة قد كان صلاحه باتباع الكتاب والسنة والاحتكام اليهما ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
عناصر المحاضرة:
خلق الله البشر لحكمتين عظيمتين : إحداهما مشتركة بين الجن والإنس بيّنها في قوله " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ".. والثانية خاصة بالإنس وهي الاستخلاف في هذه الأرض فقد أخبر الله بذلك ملائكته وآدم مُنجدل في طينته فقال :" إني جاعل في الأرض خليفة ".
وقد علم الله تفاوت البشر في القابليات وتردُّدهم بين القوة والضعف فسلكهم أطوارا ، وأراد بحكمته البالغة أن تكون أمة محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأمم وأن تكون رسالة محمد تتويجا لما سبق من الشرائع فنسخ بشريعته ما عداها من الشرائع وختم به الرسالات .
وشرع له هذا الدين وعلم جل وعلا صلاحه الأبديَّ لكل زمان ومكان وقال فيه " ومن يبْتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ".
وقد شرع الله هذا الدين لمصلحة العباد فأحل الحلال وحرم الحرام ، وكان بعضُ الطلب جازما وبعضه غير جازم كما أن المنع منه ما هو حرام ومنه ما هو مكروه كل ذلك راجع لمصلحة العباد ودائر على جلب المصلحة ودرء المفسدة عنهم .
خص الله نبيه بهذا الكتاب المبين الخاتم لرسالات الله إلى أهل الأرض فهو أحدث الكتب بالسماء عهدا ..فيه خبر ما قبلكم وفصل ما بينكم وخبر ما بعدكم هو الفصل ليس بالهزل " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ".
تولي الله حفظه بنفسه وجعله شهيدا على هذه الأمة ( والقرآن حجة لك أو عليك)
وهو منهج حياة شامل لكل ما تحتاج إليه البشرية ؛ففيه ما ينظم علاقات العباد بربهم عقائد وعبادات ، وفيه ما ينظم علاقات العباد فيما بينهم معاملات وأخلاقا فهو نظام شامل كامل لكل ذلك " ما فرطنا في الكتاب من شيء ".
جعله الله على أسلوب معجز فهو مختصر عدد آياته (6234) ومع ذلك ففيه علم الأولين والآخرين .
وجعل الله اساليبه متفاوتة فما كان منها واضحا بيِّنا لكل الناس قامت به الحجة على الجميع ، وما كان فيه خفاء فالمرجع فيه لأهل العلم الراسخين يُسألون عنه .. فهم اهل الاستنباط والقياس .
والقرآن لا تنقضي عجائبه ولا تنفد ذخائره ولا يُستوفى معناه ولا يشبع منه العلماء ؛ فأهل كل عصر يستنبطون منه ما لم يستنبطه من سبقهم وهذا وجه من أوجه إعجازه ، ومدرسة التفسير في القديم والحديث شاهدة بذلك .
والفهم في القرآن نعمة من نعم الله ورزق من أرزاقه العظيمة .. وفي حديث علي { إلا فهما آتاه الله رجلا في كتابه } والله ذو الفضل العظيم .
و(السنة) وحيٌ رديف للقرآن وشارح له وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه).
فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وما صح عنه فيه من الأحكام والعبر والإيمانيات والقصص ما هو وحي من عند الله لأن الله قال في رسوله الكريم :" وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحَى".
اختار الله لنبيه خير قرن من قرون الزمان واختار له خير آل وخير صحب ..آمنوا به ونصروه و نقلوا عنه العلم وبلغوه إلى مشارق الأرض ومغاربها ، و آخر من وصل منهم إلى هذه البقعة التي نحن فيها عقبة ابن نافع الفهري رضي الله عنه .
لم يجعل الله الخيار لأحد في اتباع القرآن والسنة كما قال تعالى :" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ".
الآيات والأحاديث في وجوب طاعة الله تعالى وطاعة رسوله... والوعيد الشديد في مخالفة أمر الله وأمر رسوله .
(لكل نبي دعوة وقد ادخرت دعوتي لأمتي) وفي رواية ( للعصاة من أمتي).
وقد نجم الله نزول القرآن في ثلاث وعشرين سنة وبيّن حكمة ذلك فقال جل من قائل " وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مُكث ونزلناه تنزيلا" وقال تعالى :" وقال الذين كفوا لولا نُزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسنَ تفسيرا".
فتضمن ذلك ثلاث حكم منها قوله " ورتلناه ترتيلا" : فالقرآن محفوظ في الصدور متلَقّى من أفواه الرجال ..وفي صفة هذه الأمة ( أناجيلهم في صدورهم ) وقد كانت الأمم السابقة لا يؤتمن على الكتب إلا خيرة علمائهم ، وأما هذه الأمة فإن الله يسر لها حفظ القرآن فهو متلوّ مقروء يحفظه الكبير والصغير والطفل والمرأة ؛ ولذلك كان أفسق هذه الأمة خيرا من أحبار الأمم الماضية وذلك أن الله شرفه بحفظ القرآن وجعل قلبه مستودعا لكتابه .
وقد بادر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السمع والطاعة في كل ما جاءهم عن الله- كتابا وسنة -فتسابقوا إلى تطبيق ما جاءهم من الوحي وتأدبوا بأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها من تلك الطاعة والمبادرة ( ولا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ).
والمراد هنا صلاح الدين وسلوك المحجة والصراط المستقيم ، فأما شؤون الدنيا وتدبيرُ المعاش فهو مما وُكل إلى الناس تدبيره وفيه سعة وقد يسر الله فيه للاحقين ما لم ييسر للسابقين نعمة منه وفضلا كما نرى من تيسر وسائل النقل والاتصال وسائر مرافق الحياة من الكهرباء وغيرها.
ثم بيّن الشيخ مواقف الناس بين الجمود والتجديد والمنهجَ الوسط في ذلك ، كما بيّن أقسام السنة وتعريفها ، واصطلاح الفقهاء والأصوليين والمحدِّثين في إطلاق السنة ..فكفى وشفى حفظه الله ونفع به وختم بدعاء خاشع.
- القسم: الفكر الإسلامي
- تحميــل
- المشاهدات:13275
آخر تحديث للموقع: الأحد, 20 أكتوبر 2024 09:45