منبر الخميس- الشمولية في الإسلام-
"الشمولية في الإسلام"، منبر الخميس.
عناصر الموضوع:
إن التطور في الأمة هو نظير التطور في الفرد ، وهذا يقتضي أن ارتفاع الحضارة وارتفاع الشأن إنما يكون بالارتباط بالأصل ، والانحطاط والتراجع إنما يكون بالحرص على الدنيا والزهد في الدين ، فالذين ضعف دينهم ضعف حالهم وتراجع ما وهبهم الله و ما أعزهم به لأنه لا عز للمسلم إلا بالدين ، وإذا عرفنا ذلك عرفنا أن الإسلام نظام شامل لجوانب حياة الإنسان كلها ففيه:
الجانب العقدي: كل عمل أيا كان يشترط فيه اجتماع الشهادتين ، شهادة أن لا إله إلا الله وتقتضي الإخلاص لله ،وشهادة أن محمدا رسول الله وتقتضي أن يطاع في كل ما أمر به ، وهذا الجانب أساسه الوحي المنزل ، وبعض جوانبه إنما تفهم عن طريق إدراك العقل وجمعه بين الأطراف.
جانب التعبد: وهو الوظيفة الأساسية للإنسان ، ومجال التنافس الأكبر.
جانب المعاملة: شرع الله لنا المعاملات التي تنظم علاقاتنا في ما بيننا ، منها العقود (كعقد النكاح والإجارة...) ومنها التأديبات (كالحدود والأحكام القضائية...) ، ومنها الأخلاق ، لكل أمة خلق وخلق هذه الأمة الحياء وما كتبه الله من الرحمة ، والناس لا يمكن أن يسعهم أحد إلا بحسن الخلق.
جانب الثقافة: فالأمم تصعد وترقى بمستوى فهمها وثقافتها ، والثقافة هي العنصر الكبير من الحضارة ، فالحضارة تقوم على ركنين هما: الثقافة والمدنية ، و لهذه الأمة ثقافة عريقة مرتبطة بالوحي ، أساسها توجيه من الرب جل جلاله ، وتوظيف لهذه الأمة في خدمة البشرية ، ومن ثقافتها أخوتها ومحبتها ، ومن مقتضيات ثقافتها الاستنارة بماضيها وتراثها ، مع العلم بعدم عصمة التراث خلافا للوحي ، ومن تراثنا وتاريخنا ما يكون متجددا وهو أوسعها بابا كالفقه لمواكبته حياة الناس ، فهو بناء تراكمي لا يتوقف عند حد ، ومنه ماهو ضيق كالفن والموسيقى وغير ذلك يأخذ إطاره ونطاقه ولا يتعداه ، فكل ذلك من تراث الأمة منه المحمود والمذموم.
من شمول الإسلام في المجال الثقافي أيضا أن هذه الأمة لا تنحصر في تراثها وماضيها ، بل هي منفتحة على العالم وتأخذ من جميع الحضارات.
الجانب السياسي: وقد إهتم الإسلام كثيرا بهذا الجانب ، لذا نجد المكتبات تعج بكتب الفقه السياسي من ذلك مثلا: كتاب الإشارة في تدبير الإمارة للإمام الحضرمي ، وكتاب الأحكام السلطانية للماوردي ...
الجانب الاقتصادي: للإسلام نظام شامل في هذا الجانب ، فنظرة الإسلام إلى المال على أنه ليس ملكا للإنسان ، بل هو وسيلة تحت يده واستخلفه فيها لمدة محددة كالوكيل ، وإذا علم هذا لم نأخذ المال إلا من حله ولم نضعه إلا في محله ، ومن هنا حدد الشارع نطاق المال فأوجب فيه: الزكاة وحرم التبذير وحرم الربا وأمر بالإيثار وأمر بالتصدق والإنفاق وحرم الحرص عليه والبخل به وجعل الأحكام التفصيلية منظمة لطريقة اكتساب المال.
الجانب الاجتماعي: الإسلام نظر إلى البشر جميعا أنهم أسرة واحدة أبوها آدم وأمها حواء ، وأوجب عليهم التعاون في الإمساك على يدي كل كافر وظالم ومفسد ، ومعيار الفضل لديه بينهم التقوى ، وكل إنسان عليه حقوق لغيره ، كما أن عليه الحرص على أن يكون نافعا للبشر معينا لهم ساع إلى هدايتهم ، فكل هذا يقتضي أن هناك ترابط بين البشر.
وهذا الترابط على درجات: ـ 1الدرجة الواسعة هي ذرية آدم جميعا فينبغي أن يتعاونوا على ما يجمعهم ـ 2ثم الطبقة الثانية أهل الإيمان المصلون إلى قبلة واحدة فهؤلاء بينهم إخاء ـ 3ثم طبقة العاملون للإسلام وهؤلاء لهم ولاء خاص يشمل كل من سعى لنصرة الدين ـ 4ثم أخص الدوائر الذين يشتغلون معك في مشروع واحد لرفع لواء الإسلام ، فهؤلاء لهم ولاء أخص من سابقيهم ، ورغم هذا الترتيب للولاءات ينبغي البعد عن الغلو والتعصب ضد الآخرين والكذب في التعامل معهم أو ظلمهم ولو كفروا بالله .
ولهذا لا بد من فهم الإسلام فهما شموليا ، فالذي ينظر إلى جانب واحد من جوانبه سيبتلى بالغلو فيه ، فلا بد من الأخذ به جميعا.
الدعاء.
- القسم: الفكر الإسلامي
- تحميــل
- المشاهدات:4165
آخر تحديث للموقع: الاثنين, 25 نوفمبر 2024 20:04