قيام الليل


• حلقة اليوم من برنامج مفاهيم 3 تتناول آفاق قيام الليل وخيراته وبركاته وبعضا من أحكامه الفقهية، وذلك من خلال الأسئلة التي يطرحها المُحاور على الشيخ في الموضوع. • قيام الليل؛ حكمه من حيث الوجوب والندب؟؟. • قيام الليل واجب على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا"، لكنه من خصائصه وما كان واجبا عليه من الأفعال فهو سنة لأمته، ولذلك شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل وحض عليه في كثير من الأحاديث الصحيحة، فقال لعبد الله بن عمر: " يا عبد الله لا تكن مثل فلان فإنه كان يقوم من الليل فترك قيام الليل"، وقال لحفصة لما قصت عليه رؤيا رآها عمر قال: "نعم العبد عبد الله لو كان يقوم من الليل"، كذلك فكان يقول: "أيها الناس افشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تردوا الجنة بسلام"، وكذلك فإن النبي (ص) رغب فيه ترغيبا كثيرا بقوله: " وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون"، فذكر قيام الليل وما أعد الله لأهله لأن الله ذكر هذا الوعد بعد ذكر قيام هؤلاء لليل فقال في ذكرهم: " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون "، وكذلك كان في فعله (ص) أنه كان يقوم الليل ويحض عليه ويوقظ أهله لقيام الليل وكل هذا يدل على تأكيده، وقد قال بعض أهل العلم بوجوب بعضه، كعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فكان يرى وجوب الوتر، ولكن الراجح عدم الوجوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله له ليلة المعراج لما فرض عليه خمس صلوات قال: " هن خمس وهن خمسون ما يبدل القول لدي"، فلا نسخ في الوجوب ولا زيادة فيه على الصلوات الخمس ولذلك ثبت في صحيح البخاري وفي الموطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خمس صلوات فرضهن الله على العباد في اليوم والليلة ". • الآيات التي فيها الأمر صريح: "ومن الليل فتهجد به.."، "ومن الليل فسبحه"؟؟. • هذا كله أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء الدليل على اختصاصه به، لأنه قال: "نافلة لك". • اقتران أوصاف الصالحين دائما أو مواضع كثيرة بالقيام، " تتجافى جنوبهم عن المضاجع"، "كانوا قليلا من الليل ما يهجعون"، ألا يشعر بأن من ضرورات الصلاح والتقوى قيام الليل بحيث أنه واجب أو قريب من الواجب؟؟. • ليس بالواجب لكنه من ضرورات علو المقام وارتفاع قدر الإيمان فهو وقت ممتاز جدا لمناجاة الله والقرب منه والإنس به، فالعباد درجات، وعبادتهم لله يمكن أن نذكر بأنها بمثابة خدمات العمال والموظفين فلكل منهم مرتبته. " وما منا إلا له مقام معلوم" كما قال الملائكة الكرام فيما حكى الله عنهم. فلذلك من كان من أهل القرب والإنس بالله لا يمكن أن يصبر أصلا عن قيام الليل"، فإذا خلا بنفسه أو آوى إلى فراشه لا بد أن يتذكر شوقه إلى الله وأنسه به فينتفض من فراشه ويقوم الليل، ومن كان من أهل مقام دون ذلك لا بد كالذي يرغب فيما عند الله ويريد استجابة دعائه وترقيق قلبه فإنه يجد فرصة في ذلك فيشتاق إليه، ودون ذلك أيضا من خشي على نفسه من الذنوب وأراد تكفيرها بعمل خاص، ودون ذلك الذي يريد أن يكون من المتسابقين فهو يستشعر أن لله عبادا سواه وهم كثر، وأنهم الآن في سباق فيحاول أن يلحق بالركب، فهؤلاء كلهم من الصالحين، ولكن مقاماتهم ودوافعهم إلى قيام الليل متفاوتة. • قيام الليل له أثر كبير جدا في نور البصيرة " من حسن عمله بالليل حسن وجهه بالنهار" كما في الأثر، لذلك الكثير من المسائل التي تستغلق على الإنسان إذا قام الليل تفتح له، وكذلك ترقيق الطباع فكثير من الأخلاق التي فيها عنف وقسوة يزيلها قيام الليل، وكذلك فتح أبواب الرزق، وكذلك طلب الولد، فكثير ممن حرموا من الذرية من أسباب حصولهم على المأمول قيام الليلن وكل هذا فيه أخبار وتجارب للسلف الصالح. لكن أهم شيء من هذا كله هو تحسين العلاقة بالله جل جلاله، وهذا الإنس بالله تعالى هو سبب للظل يوم القيامة، فالخلوة أيسر ما تكون في الليل عندما ينام الناس، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "صلوا بالليل والناس نيام.."، وقال: "صلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع.."، فأثرها بالغ في تنوير البصائر والإنس بالله جل جلاله والشوق إلى لقائه، فالذين لا يذوقون طعم ذلك لا يحسون بهذه السعادة ولهذا قال الفضيل بن عياض: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف". وقد قال الإمام عبد الحق الإشبيلي في مقدمة كتابه " التهجد": "الحمد لله الذي أذن لعباده بطاعته فخروا بين يديه متذللين ولوجهه معظمين لم يغلق بينه وبينهم بابا ولا أسدل دونهم حجابا ولا خفض أودية ولا خفض شعابا"، فهؤلاء أذن لهم بهذا الوقت الذي حجب فيه آخرون وعندما أذن لهم جاء السباق ونحن نعلم الحديث القدسي الصحيح: " أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة "، ولذلك يحصل للإنسان أنس عجيب عندما يتوحش من المخلوقين ويعرض عنهم ويقبل على الله جل جلاله، فتفتح أمامه أبواب الله ويؤذن له بالسجود بين يدي الله وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وأيضا هو وقت صفاء وتدبر وتطفل على كلام الله ويفهم منه ما لم يكن يفهم منه في ذلك الوقت، ويتذوق طعمه وحلاوته. • الحديث عن بعض الفوائد الطبية والجسدية للقيام هل هو داخل في حد المشروع ويحسن أن يقال في مثل هذه المقامات؟؟. • نعم فهو من التشجيع على هذا العمل، فأنت تريد أن تشجع الناس على عمل لم يوجبه الله عليهم فلذلك تبحث عن أي شيء تتعلق به قلوبهم، فمن الناس أهم شيء لديه الصحة ومنهم من أهم شيء لديه السعادة ومنهم من أهم شيء لديه استجابة الدعاء وقضاء حوائج معينة، وذكر هذه الفوائد الطبية والجسدية لا حرج فيه لأنها من باب التشجيع على الطاعة والعبادة، ولكن ليس المقصود أنها في الأصل شرعت لها، بل هذه فوائد جانبية، ولهذا فإن الله تعالى أثنى على محمد صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين معه بالصلاة فقال : " تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله "، فالذي حملهم على هذه الصلاة؛ الركوع والسجود هو ابتغاء فضل الله،و فضل الله ليس محصورا بالأمر الأخروي بل يشمل أمر الدنيا وأمر الآخرة ولذلك: "ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". • ما الأسباب التي تعين الإنسان على أن يكون من أهل ففضيلة قيام الليل ؟؟. • ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام الليل كله فقال رسول الله (ص) ذاك رجل بال الشيطان في أذنه، فمن جعل للشيطان سبيلا عليه لا يمكن أن يأذن له بقيام الليل، فالشيطان عدو للإنسان ، ولا يمكن أن يحصل على هذا الثواب العظيم وهذه المنزلة الكبيرة ولذلك يحاول أن يبول في أذنه وأن يحول بينه وبين قيام الليل ويُنيمه عن جميع الطاعات بمختلف الوسائل، " وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد. فالنوم على غير ذكر الله خطر شديد. • ما الأسباب التي يمكن أن يتوسل بها الإنسان حتى يكون من أهل هذا المقام ؟؟. • من الأسباب ما يذكره العلماء قديما، فيذكرون نومة خفيفة في النهار أيا كانت فهي معينة على القيام من الليل وكذلك عدم الإكثار من الأكل في الليل وكذلك الصحبة الصالحة وأهمها الأهل، فقد أخرج أبو داوود في السنن: " رحم الله رجلا قم من الليل فأيقظ امرأته فتصلي معه فإن هي نامت نضح في وجهها من الماء، ورحم الله امرأة أيقظت زوجها ليصلي معها فإن هو نام نضحت في وجهه من الماء، وكذلك يضاف إليها في عصرنا استعمال الوسائل المنبهة كضبط الساعة أو الهاتف على الوقت الذي يريد القيام فيه، ومثل ذلك أيضا التعاون على اليقظة كأن يكون بينك وبين بعض خلانك فتتعاهدوا بينهم على أن يوقظ بعضكم بعضا. • الحديث عن الدعاء وأثره في هذا المقام؟؟. • من المهم أن نعلم أن مشكلات الإنسان يزيلها الدعاء، فإذا كان الإنسان حيل بينه وبين قيام الليل، فليضرع إلى الله بالدعاء، ومن ذلك الاستغفار فقد جاء رجل إلى الحسن البصري وقال يا أبا سعيد إني لا أستطيع قيام النفل ولا صيامه، فقال: أنت رجل مكبل قلبك بالمعاصي ففكه عنك بالاستغفار، ومعاقبة النفس على المعاصي لا بد أن تكون على الوجه الصحيح، وليست بالأذى، فالإنسان إذا أراد أن يكون من أهل قيام الليل لا بد أن يضع لنفسه برنامجا تربويا على ذلك، وهذا البرنامج التربوي قد اقترحناه من قبل وبدايته: • أن يكتب آيات قيام الليل في صفحة وأحاديث قيام الليل في صفحة ويجعلها في جيبه، فإذا صلى فرضا من الفرائض خلا بنفسه، ومن الأفضل أن يكون ذلك في مقامه الذي صلى به فيقرأ الآيات بنية أنها كتاب موجه إليه من ربه الذي خلقه وسواه ويتذكر أهمية هذا الكتاب، أنه مجزوم بصدقه وأنه من عند الله لا محالة وأنه موجه إليك أنت بالخصوص لا تظن أنه كلام الله موجه إلى خلقه جميعا بل هو يعنيك أنت بذاتك، أليس ذلك محل تقدير وإجلال؟!!!، فتقرأه على هذا الوجه بتدبر ثم تقول بعد ذلك تقول عندما أرشدني ربي إلى هذا الأمر معناه أنه نفع لي ولا أستطيع أن أصل إلى ربي بنفع ولا ضرر، فهذا إرشاد ولطف بي أنا ورحمة بي عندما نبهني إلى هذا الأمر واختارني له فلا بد أن أستجيب لأمر ربي. • ثم تقرأ الصفحة الأخرى التي فيها الأحاديث على أنها كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك أنت بذاتك فتقرؤه بهذا المعنى وهذا القصد وتتدبره وتقول هذا الرسول الكريم الذي شرفنا الله به بين الأمم وهو رؤوف رحيم بنا، وقد جعله الله رحمة مهداة لنا، يرسل إليّ ويرشدني لهذا الأمر وليس لي خيار ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم فلا بد من الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتعرض ذلك على نفسك عدة مرات حتى تُرسخ هذه القناعة لديك، وتعرض على نفسك الاستجابة والامتثال مدة أسبوع كامل لا ينقطع فيها القيام فإذا جاء أسبوع ولم تنقطع عن القيام حاول تشجيع نفسك، وفي البداية لا تثقل ولا تجعل قيامك طويلا ثم بعد ذلك مدد نفسك أسبوعا آخر على هذا، وإذا حصل انقطاع عاتب نفسك فلا يستطيع أن يربي نفسه من لم يستطع أو لم يكن لديه ملكة تجريد نفسه وحصرها في قفص الاتهام، فإذا استمر على ذلك أربعين ليلة وانقطع عن القيام فالحمد لله أصبح ذلك خلقا لديه، وسيسهل عليه سهولة عجيبة، وهذه المسألة ثابتة بالتجربة. • ومن الناس من يسمع كلاما يعينه على قيام الله كأبي حنيفة رحمه الله لما مر على صبيان يلعبون فقال أحدهم هذا أبو حنيفة لا ينام من الليل إلا قليلا فقال أبو حنيفة والله لا يتحدث بها الصبيان وهي كذب واستحيا من هذه الكلمة فكان لا ينام من الليل إلا قليلا. • ترك السمر بعد العشاء؟؟. • هذا كانت أمنا عائشة رضي الله عنها ترشد إليه وإذا سمعت جيرانها يتكلمون بعد العشاء ترسل إليهم "ألا تريحون الكتاب"، وكان كثير من أهل العلم يكره الكلام بعد العشاء والنوم قبلها وعمر رضي الله عنه كان يقول " فمن نام فلا نامت عينه (ثلاثا) يقصد النوم قبل العشاء"، وكان عدد من الأئمة يحاولون ان يكون نومهم بعد العشاء مباشرة ليستيقظوا في جوف الليل ووسطه، والشاطبي رحمه الله كان لا ينام إلا بعد صلاة الفجر فكان ليله كله إما تأليف أو قيام. • هل الاغتسال والتطيب للقيام من آداب القيام؟؟. • بالنسبة للاغتسال في حق من كان جنبا واجب، ولا يلزم لغير ذلك، وإذا كان يرفع عنه الكرى والنوم فيكفي الوضوء من ذلك، والتطيب لا حرج فيه خاصة لمن هو ذاهب للمسجد. • إقامة الأسرة أو قيامها لليل هل له فضيلة خاصة؟؟. • نعم ذكرنا الحديث الذي أخرجه أبو داوود في السنن ومن المهم جدا أن يتعاون الزوجان على الطاعة كما يتعاونان على أمور الدنيا وتربية الأولاد فكذلك يربيان أنفسهما بقيام الليل وكذلك العلم فمن الأفضل أن يكون لكل أسرة وقت علمي يتدارسان فيه علما ويكون لهما وقت من الطاعة والعبادة يشتركان فيه. • هل للزوجة أن تمنع زوجها من القيام أو العكس إذا كان أحدهما يريد من الآخر وطرا؟؟. • نعم حق الأزواج مقدم على القيام لأنه قد يصل إلى مرتبة الوجوب والقيام سنة كما ذكرنا لكن لا بد أن يكون ذلك أيضا على الوجه المعتاد. • قيام الليل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان النبي (ص) يخص وقتا معينا من الليل بالقيام أم كان يقوم من أوله ووسطه وآخره؟؟. • هذا بحسب حاله لأنه (ص) كان مشغولا بالأسفار والجهاد والغزو وتدبير الأمور، فليس شخصا عاديا متفرغا للطاعة ولذلك قالت عائشة " لا تحب أن تراه قائما إلا رأيته قائما، ولا تحب أن تراه نائما إلا تراه نائما"، وكان يقوم من الليل في وسطه وآخره كل ذلك كان يفعله وكان لا يترك قيام الليل لا في الحضر ولا في السفر، ففي السفر يصلى على راحلته أنى توجهت به وعلى حماره تمجها على خيبر وعلى بعيره متجها إلى نجد كما في الأحاديث الصحيحة. يتواصل الموضوع في الحلقة الموالية.



آخر تحديث للموقع:  السبت, 16 مارس 2024 18:39 

النتائج النهائية لمسابقات دخول المركز

اشترك في القناة

موقع مركز تكوين العلماء

برامج تلفزيونية

إحصائيات

المتصفحون الآن: 21 

تابعونا علــــى:

تابِع @ShaikhDadow