خطبة عيد الفطر سنة 1421

 

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا، الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

 

 

الحمد لله الذي له ما في السماوات و ما في الأرض وله الحمد في الآخرة، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء، تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، الحمد لله الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا، تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، الله أكبر الله أكبر الله أكبر. إخوة الإسلام هذا عيدكم عيد الله سبحانه وتعالى الذي شرف به الصائمين في نهاية الشهر الكريم، وإن كثيرا من الناس لا يعتقدون للعيد معنى إلا أنه مناسبة يتباهى الناس فيها في الثياب والمآكل والمشارب ويتزاورون فيها ليس إلا ذلك، والواقع أن للعيد معنى أسمى وأعظم من هذا فهو يوم تاريخ الأمة، يوم الأمة كلها الذي تراجع فيه مسيرتها وتقوم فيه أعمالها وتتفقد فيه آمالها وآلامها.

إن أمة الإسلام محتاجة إلى وقفات في السنة تراجع فيها مسيرتها، فقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الأرض جميعا قد حل عليهم سخط الله، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال: إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم غير بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين الحق الذي كان كل الأديان إعدادا له، فدعا الناس إلى الالتزام بهذا الدين الذي جاء به، فاستجاب من أراد الله بهم الخير وامتنع الأكثر من الاستجابة، فأمره الله أن يقاتل بمن أطاعه من عصاه، فناصب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين وكفرة أهل الكتاب العداء، ونشأت نابتة أخرى هي المنافقون في صفوف الأمة، فكانت طابورا آخر تؤيد مواقف المشركين وكفرة أهل الكتاب، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه صبروا وصابروا وجاهدوا في الله حق جهاده حتى أعز الله بهم الدين وأظهر بهم المحجة البيضاء، فما تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد دان الناس لدين الله واستقام أمر الدين وظهرت المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم على لزوم هذه المحجة وحض على ذلك غاية الحض، فمن آخر وصاياه التي سمعت منه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ما أخرجه البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وهذا تحذير لهذه الأمة من بعض الهفوات و الهنوات التي ستقع فيها، وتنبيه لها على أن الحرب بين المسلمين و الخلافات بينهم إنما هي من رجس الشيطان وهي من الكفر، بمعناه الشامل الكامل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك خيرا إلا دلنا عليه ولا ترك شرا إلا حذرنا منه، وقد قبضه الله إليه بعد أن سلم إلينا رسالته فتركها أمانة في أعناقنا التزمنا بها وبايعنا الله عليها، فيلزم أن يراجع كل واحد منا نفسه ماذا بذل في سبيل هذه الأمانة التي ائتمنه الله عليها وأداها إليه رسوله صلى الله عليه وسلم، إن كل إنسان عليه أن يراجع مسيرته فيما مضى من حياته، وهو يعلم أن لهذه الحياة نهاية حتمية لا يدري متى تكون، وقد حمل فيها أمانة جسيمة عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، إن الذين بايعوا الله سبحانه وتعالى يعلمون أنهم وافدون إليه معروضون عليه، لا تخفى منهم خافية، يقفون بين يديه سبحانه وتعالى يحملون طائرهم في أعناقهم، فأعدوا العدة لذلك الموقف عباد الله، واجتهدوا في الجواب الذي لا تخطؤون فيه ولا تؤثمون، واعلموا أنكم اليوم في فسحة من هذه الحياة بالإمكان أن يراجع كل واحد منكم ما فرط فيه في جنب الله، وأن يغير مسيرة حياته كلها وفقا لما يرضي الله عز وجل، ولما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، إن هذه الأمة قد خطت خطوات كثيرة وقطعت أشواطا كثيرة على مسيرتها مدى تاريخها، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وباستعراضنا لحال هذه الأمة، نجد أنها كما بدأت غريبة عادت غريبة، وقد وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقد أخرج مسلم في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قالوا: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي، وفي رواية: الذين يصلحون إذا فسد الناس، وفي رواية: قوم صالحون في قوم سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم.

إن هذه الأمة الإسلامية إذا نظر الإنسان إلى تاريخها بعين التمحص وجد فيه كثيرا من الشعارات وكثيرا من الإشارات التي تدل على التضحيات الجسام وتدل كذلك على سلوك المهيع القويم، ويجد كذلك بعض الهنوات التي تدل على الانحرافات، وإذا نظر الإنسان إلى واقعنا هذا وجد أن هذه الأمة قد يتخيل الناظر في واقعها مباينتها لتاريخها وانحرافها عن مسيرتها فإنه يرى أخلاطا من الناس الضعفاء الذين هم  كغثاء السيل قد تقاسمتهم الأمم وتآكلت حضارتهم وأقبلت إليهم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وما ذلك إلا لضعف هذه البقية الباقية من هذه الأمة، ولعدم تمسكها بدينها الذي به عزت وقويت، إنه لا عزة لهذه الأمة ولا قوة لها إلا بالتمسك بما جاء به رسولها صلى الله عليه وسلم والرجوع إلى أمجادها التي بناها الأسلاف المضحون في سبيل الله عز وجل الصادقون في بيعتهم معه، إن تلك الأمجاد مقتضية منا أن نتفحصها وأن نبحث عن آثارها وأن نسلك طريق السابقين وإلا لن تكون أمجادا لنا وإنما تكون حجة علينا بين يدي الله عز وجل.

إخوة الإسلام إن هذه الأمة اليوم تشكو جراحا عظيمة في جسمها في مشارق الأرض ومغاربها، منها جراح خارجية هي بأيد كافرة كائدة لهذه الأمة يسوؤها تقدمها وترابطها فإذا نظرنا إلى مشارق البلاد رأينا المستضعفين من المسلمين يقتلون ويشردون ويؤذون غاية الأذى في إندنوسيا وفي الهند بأيدي الصليبيين والهندوس الحاقدين والسيخ المعتدين، ونرى كذلك بقايا هذه الأمة في جزر الملديف وما جاورها في غاية الأذى، وكذلك ما نرى من حال المسلمين في شمال الأرض وجنوبها، فهاهم المسلمون في الشمال يتعرضون لأذى روسيا الحمراء الكافرة فهذه السنة الثالثة التي تمضي على المهجرين من الشيشان تحت الصقيع وفي الجبال والغابات، وهم يتعرضون للإبادة المطلقة، وكذلك الحال في بقية الجمهوريات، فما الأنغوشة وداغستان وطاجيكستان ببعيد عن حال الشيشان، وكذلك الواقع في بلاد الأفغان حيث الحرب الأهلية المدمرة التي ما جاءت إلا بتدبير أعداء الله ومكائدهم، وبتخطيط أمريكا ومباركتها، وكذلك الحال في أوروبا الشرقية التي كانت يوما من الأيام دارا للإسلام فاعتدت عليها الشيوعية فمسختها مسخا وغيرت حقيقتها ثم اليوم تتعرض لحقد آخر هو حقد الرأسمالية الغربية، فما نشاهده هذه الأيام في البوسنة والهرسك وما نشاهده كذلك في كوسوفا وما نشاهده في ألبانيا وبلغاريا كله من نتائج هذا الاعتداء السافر الذي تصم الأمة عنه ولا تهتم به.

كذلك الحال في بلاد إفريقيا في الجنوب، فإن كثيرا من المسلمين يتلقون من الضربات والنكبات ما الله به عليم، فإخوانكم القريبون في سيراليون وفي ليبيريا وفي غيرهما من البلاد الإفريقية يتعرضون للحقد الداهم من الصليبية التي كانت تخطط لأن تكون سنة 2000 من التاريخ الميلادي أن تكون هذه السنة سنة المسيحية في إفريقيا، وكذلك الحال أيضا في القرن الإفريقي في الصومال وجيبوتي وجنوب السودان وشرقها وفي الحبشة، وهكذا الحال في أصقاع الأرض كلها، لا ينظر المسلم إلى صقع منها إلا ورأى مؤامرة حمراء يكيدها أعداء الله ورسوله لهذه الأمة، لكن الذي يريب هو أين موقف الأمة، أين موقف المسلمين من إخوانهم الذين يتعرضون لكل هذا النكال، ثم إن الأدهى والأمر من ذلك هو ما نشهده في قلب الأمة بعد أن رأينا حال أطرافها، فقلب الأمة فلسطين يوشك أن يكون خير مهاجركم مهاجر أبيكم إبراهيم إنها أرض الميعاد الحق للمسلمين الذين سينصرون الله عز وجل ويبايعون عيسى بن مريم ويقاتلون معه اليهود حتى يقول الشجر والحجر يا عبد الله يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود، إن المسجد الأقصى وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسولنا الأمين صلى الله عليه وسلم يتعرض لكيد اليهود الحاقدين الذين يريدون هدمه وبناء هيكلهم المزعوم مكانه، ويتعرض أهلونا المسلمون في فلسطين لأنواع الأذى بالتقتيل والتشريد والنهب وهدم البيوت وأذى الناس، فالسجون ملأى بالشيوخ والعجزة والفتيان الذين منذ بلغوا ما رأوا الشمس ولا خرجوا إلى الناس، وكذلك بالفتيات المغتصبات، إن هذا الكيد الذي يباشره اليهود في قلب الأمة الإسلامية لا بد أن تحس به الأمة وأن تتحرك له أطرافها، فتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد  إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

إن هذا الكيد الذي تتعرض له الأمة في قلبها في فلسطين بأيدي اليهود الحاقدين قد تجاوز الكيل وتعدى وطفح، فاليهود لم يعودوا يقنعون اليوم فقط بفلسطين وإنما أصبحوا يطمعون في أصقاع البلاد الأخرى بل قد تعدى ذلك وتجاوز حتى وصلوا إلى ثغور الإسلام وأطراف أمة الإسلام، فهاهم قد وصلوا إلى بلادكم هذه الطاهرة بلاد عقبة بن نافع وعبد الله بن ياسين وأبي بكر بن عمر والحاج عبد القادر الفوتي وغيرهم من كبار المجاهدين الذين حرروا هذه البلاد من أرجاس الكفر ورسخوا فيها دين الإسلام وتركوها لكم تراثا سائغا طيبا، ثم كانت بعد ذلك صخرة يتحطم عليها كل مؤامرة ضد الدين، فعندما جاء المستعمرون الفرنسيون وقبلهم البرتغاليون والإسبان والأمريكان وجدوا المقاومة الإسلامية في هذه البلاد، حتى طردوا منها خائبين، وقد برز في هذا التاريخ العظيم لهذه الأمة عدد من الرجال المضحين الباذلين الذين أرادوا إعلاء كلمة الله وبذلوا نفوسهم في سبيل الله من أولئك ناصر الدين بن أبي بكر رحمه الله والذين قاتلوا معه لإعلاء كلمة الله وإقامة دولة الإسلام، ثم بعدهم بعد أن جاء الفرنسيون الشيخ ماء العينين ومن معه من المجاهدين الذين أعلنوها حربا على الفرنسيين وأنصارهم من الإسبان والأمريكان حتى انتصروا عليهم في وقائع كثيرة، إن هذا الشعب إنما هو من أحفاد أولئك الأبطال السابقين، فلا بد أن يصدق في موقفه مع هذه الشريعة التي هي أمانة لديه، ولا بد أن يظهر شجاعة وعزة ألا لله العزة ولرسوله وللمؤمنين.

إخوة الإسلام إن جراح الأمة النازفة تقتضي منكم في وقتنا هذا تنبها ووعيا  لحال هذه الأمة وقياما بالمسؤولية وتحديا لهذا الواقع، وأن تروا الله من أنفسكم خيرا، فالطريق مفتوح أمامكم، وليس أولئك الأبطال السابقون بأقرب منكم إلى الله ورسوله، بل الباب مفتوح أمامكم لتضحوا وتبذلوا وتدعوا إلى الله عز وجل وتنيروا للناس طريقهم ولتحذروا من كل هذه المكائد التي تشكوها الأمة وكل هذه الجراح التي تنزف في جسمها، ولتضمدوا هذه الجراح بالصبر و التعاون وإزالة كل ما يدعو إلى الفرقة، إن هذه الجروح الخارجية تؤازرها كذلك جروح داخلية هي أنكى وأدمى منها، إن هذه الجروح الداخلية هي عمل المنافقين في داخل جسم الأمة، إن المنافقين كانوا السبب في كل جراح الأمة ومصائبها، فهم السبب في مجيء التتار، فابن العلقمي هو الذي أتى بالتتار إلى بغداد حتى ذبح خليفة المسلمين ومن معه، وهم كذلك كانوا السبب في مجيء المستعمرين إلى أصقاع كثيرة من الأرض، وهم كانوا السبب في وقتنا هذا في التمكين لليهود في بلاد فلسطين وفي غيرها من بلاد المسلمين، وهم كانوا السبب في فتح الباب أمام بعثات المنصرين الذين يغيرون دين الناس ويدعون إلى النصرانية المحرفة المبدلة التي لو كانت على ما جاء به عيسى لم تكن تغني عنهم من الله شيئا، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كبه الله على وجهه في النار، إنها محرفة مبدلة مع كل هذا، وهم يدعون إليها ويسعون لإعلائها ونشرها بين الناس في مشارق الأرض ومغاربها إن إخوانكم المسلمين في كل مكان يشكون من جراح المنافقين قبل شكايتهم من جراح المشركين والنصرانيين واليهود الذين سبق ذكر جراحهم.

إن هؤلاء المنافقين يعيثون في الأرض فسادا فيسعون لتقطيع الأرحام ويسعون لتغيير معتقدات المسلمين ويسعون كذلك لحصول العصبيات الجاهلية وإعادة النزعات التي طهرنا الدين منها، فإننا لا يمكن أن ندعو بدعوى الجاهلية بعد أن بعث الله فينا محمدا صلى الله عليه وسلم فحطم كل مظاهر الجاهلية وأزال كل أسباب الفرقة وتركنا يدا واحدة على من سوانا كما بين ذلك صلى الله عليه وسلم في قوله: والمسلمون تتكافأ دماؤهم وأموالهم وهم يد على من سواهم ويقوم بذمتهم أدناهم وفي رواية ويسعى بذمتهم أدناهم.

عباد الله إن هذه المحجة التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتضي تحقيق الإخاء فيما بيننا حتى تزول الكلفة وتتحقق الألفة، وحتى يكون ما تملكه هذه الأمة ملكا لجميع أفرادها، يتعاونون به جميعا على ما أمرهم الله به، فما تملكه هذه الأمة من العلم والمال وما تملكه من الثروات في بلادها، وما تملكه كذلك من التاريخ الذي يستنهض الهمم كله ملك للأمة كلها ينبغي أن تكون فيه العدالة الاجتماعية على وفق ما شرع الله، إن هذه العدالة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي عدل الله الذي يستحق كل أحد من أهل الأرض أن ينال نصيبه منه.

عباد الله إن المنافقين في مشارق الأرض ومغاربها قد كثروا في صفوف هذه الأمة حتى أخذوا بأزمة الأمور وغلبوا الحلماء وأهل الرأي فأصبح التدبير في أيديهم، وأصبحت الأمور كلها لا تصدر إلا عن وفق إرادتهم، بل إن كثيرا منهم هم من الممسوخين الذين يمثلون صورا باهتة للمستعمرين الغاصبين الحاقدين، فيمثلونهم تمثيلا كاملا وينفذون كل مخططاتهم ويسعون للتمكين لهم، فإنما هم بمثابة الآلات التي تدار بها الأمور عن بعد، إن هذا الوضع لا يرضي الله ولا رسوله ولا المؤمنين، ويقتضي هذا من المؤمنين أن يعبروا عن رفضهم لهذا الواقع السيء لحال هذه الأمة، وأن يتذكروا أمجاد هذه الأمة وتراثها، أن يتذكروا ما تركهم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتذكروا الحال الذي كان فيه المؤمن يسير من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، أن يتذكروا ما بدله رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر الجاهلية وما غيره حتى أصبحت هذه الأمة أمة واحدة كما رضي الله لها ذلك في كتابه.

إن هذه الأمة في مسيرتها وفي تاريخها لم تزل تشهد ذبذبات متباينة فهي تارة في صعود وتارة في هبوط، لكن هذه الصحوة المباركة في هذا الزمان مبشرة بالصعود، فأنتم اليوم في بداية السلم وستصعد هذه الأمة حتى تصل إلى خلافة على منهج النبوة وما ذلك الوعد بمكذوب يقول الله عز وجل في كتابه: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون، ويقول الله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر.

أخرج أحمد في المسند من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تكون فيكم النبوة ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهج النبوة ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهج النبوة وسكت، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم منهم، الله أكبر الله أكبر الله أكبر.

الحمد لله على إحسانه والشكر له على تفضله وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وإخوانه الله أكبر الله أكبر الله أكبر.

عباد الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افترض في هذا اليوم زكاة الفطر من رمضان صاعا من طعام عن كل مسلم ومن يمونه هدية للفقراء لتغنيهم عن التكفف في هذا اليوم، فأدوها طائعة بها نفوسكم، ومن السنة أن تؤدى قبل صلاة العيد، وإن لم تؤد قبلها أديت بعدها فهي دين في ذمة المسلمين.

عباد الله إن كثيرا من المسلمين يتباهون في الأعياد بالملابس والمآكل والمشارب ويسرفون في ذلك وقد حرم الله السرف وحذر منه رسوله صلى الله عليه وسلم، وبين الله سبحانه وتعالى أنه لا يحب المسرفين وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من السرف فذكر أنه لا خير فيه: لا خير في سرف، فلا تسرفوا عباد الله واعلموا أن ثيابكم هذه إنما هي مذكرة لكم بأكفانكم التي تصحبكم من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة، تذكروا بثيابكم هذه أكفانكم التي تلفون فيها عندما تحملون على الرقاب إلى القبور، فالقبور هي أول منازل الآخرة، وهي أعظم من كل ما قبلها منسية لكل هذه الدنيا، وأعظم منها كل ما بعدها، تذكروا عباد الله حالكم الآن وهذا السرور الذي أنتم فيه، وحال كثير من إخوانكم المسلمين المحرومين الذين حرموا وأوذوا وعذبوا وهم إخوانكم في هذه العقيدة السمحة، فلترق قلوبكم ولتعطف جوانحكم على إخوانكم المسلمين.

إن الله سبحانه وتعالى افترض عليكم الرحمة وكتبها على نفسه وأرشدكم إليها: كتب ربكم على نفسه الرحمة، فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله.

عباد الله إن الله سبحانه وتعالى ما نزل بأسا من السماء إلا بسبب معصية، فما نزل أي عقاب من عند الله سبحانه وتعالى إلا بسبب معصية من معاصي أهل الأرض، ولن ترفع هذه العقوبة إلا بتوبة، فتوبوا إلى الله توبة نصوحا ليرفع الله عنكم ما أنتم فيه وليعيدكم إلى مكانكم وعزتكم التي ترككم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأخلصوا التوبة لله عز وجل وتوبوا إليه واستغفروه إن ربكم غفور رحيم واجتهدوا في الدعاء وفي تغيير المنكر، واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما عهد به إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما ترككم عليه وتفريطكم فيه وتقصيركم فيه يقتضي انتشار المناكر في دياركم، ويقتضي كذلك أن لا تنكروها بقلوبكم، فيحل حينئذ سخط الله ومقته.

إنه ما دام المؤمن ينكر المنكر بقلبه ولا يرضاه ولا يقره فإنه لن يؤثر في إيمانه ولن يزعزع عقد هذا الإيمان، أما إذا استسلم له وتابع ورضي فإن ذلك مزيل لعرى الإيمان بالكلية.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم علينا وعليكم نعمة الإيمان وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه شكرا حقيقيا يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم  ما تصنعون بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الثلاثاء, 14 ديسمبر 2010 10:54
 

آخر تحديث للموقع:  الجمعة, 12 أبريل 2024 20:59 

النتائج النهائية لمسابقات دخول المركز

اشترك في القناة

موقع مركز تكوين العلماء

برامج تلفزيونية

جديد الموقع

إحصائيات

المتصفحون الآن: 22 

تابعونا علــــى:

تابِع @ShaikhDadow