أحكام الطلاق، والآثار الاجتماعية


ألقيت هذه المحاضرة بتاريخ 05-09-2008، في برنامج السهرة الرمضانية بالإذاعة الوطنية، وتمت استضافة الشيخ محمد الحسن الددو فيها كضيف حلقة وليحاضر عن موضوع " أحكام الطلاق"، ونظرا لأهمية هذا الموضوع عند عامة الناس، فقد آثرت تلخيص هذه المادة بشكل مفصل دون إهمال الجزئيات نظرا لأهميتها البالغة، وقد استخلصت منها الموضوع كما يلي: • شرع الله العقود التي تنظم حياة الناس ومن أعظمها عقود النكاح وقد سماه القرآن ميثاقا غليظا ورتب عليه الكثير من الأحكام في الحياة وبعد الممات وامتن به على عباده فقال: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" • وهذا النكاح ينوي المقدم عليه ست نيات: • النية الأولى: الامتثال لقول الله تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء". • والنية الثانية قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم البائة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج .." إلى آخر ذلك من الايات والأحاديث التي ترغب في النكاح. • والنية الثالثة: طلب النسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة؛ علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له وصدقة جارية . • والنية الرابعة: إعفاف نفسه عن الحرام، فهو واجب عليه كالنفقة. • والنية الخامسة إعفاف الطرف الآخر؛ وهو من التعاون على البر والتقوى. • والنية السادسة: بناء البيت المسلم؛ الذي يتراضى طرفاه على إقامة شرع الله والامتثال لأوامره ونواهيه. • وهذا النكاح له فُرق، ومن أعظم فُرقه الموت، فإذا مات أحد الزوجين فإن عقد النكاح قد انقطع بين الزوجين ويبقى بعد ذلك ما يترتب عليه من الأحكام، فمثلا إذا ماتت امرأة الرجل فقبل دفنها يجوز له أن يتزوج أختها، لكنه إذا تزوج أختها كره له أن يغسلها هي لئلا يجمع بين الأختين بالنكاح فغسلها هو من بقية النكاح الماضي، وكذلك إذا مات زوج المرأة وهي حامل فوضعت حملها مباشرة بعد موته فإنها انتهت عدتها ويجوز لها الآن أن تتزوج برجل آخر، لكن يكره لها إذا فعلت أن تغسل زوجها الأول لئلا تجمع بين الزوجين في بقية النكاح الماضي. • الفرقة الثانية: الفسخ؛ وهو ينقسم إلى قسمين؛ وهو: - فسخ لتبين خلل كما إذا ثبت الرضاع بين الزوجين بعد حصول زواجهما. وفسخ طارئ: منه ما يحصل بموجب العيوب التي تكتشف أو تحصل لكل واحد من الزوجين، وهي موجب للخيار؛ وهي: البرص والجنون والجذام وهذه مشتركة بين الرجال والنساء، ثم عيوب تختص بالرجل وهي مثل خصائه وجبه وعنته واعتراضه، وعيوب تختص بالنساء كعفلها وقرنها وإخضائها ودخلها ...إلخ. وهذه العيوب يفسخ بها النكاح ولكن تبقى مترتباته من الحكم؛ فإذا كان الرجل قد دخل بامرأته فإنها تملك الصداق كاملا، وإذا حصل الفسخ قبل الدخول كاملا فإنها تملك نصفه إذا كان الصداق مسمى عند العقد، وإذا كان نكاح تفويض غير مسمى فلا شيء لها. • كذلك يحصل الفسخ بالضرر؛ فإذا أضر الرجل بامرأته فلها الحق أن ترفع أمرها إلى القاضي ليفصل بينهما ومثل ذلك الإعسار بالنفقة، وهو الطلاق الوحيد الذي يوقعه القاضي ويكون قابلا للرجعة في حالة زوال السبب. • ومثل ذلك الردة عن الإسلام يُفسخ بها النكاح. • الفرقة الثالثة: *- الطلاق: ومعناه إيقاع فرقة بيد الزوج أو من جعلها الزوج بيده، "إنما الطلاق بيد من يرفع الساق"، ويمكن أن يملِّك الطلاق للزوجة أو لغيرها ويمكن أو يوكل على الطلاق شخصا آخر، ويمكن أن يُخير امرأته فتختار الطلاق أو تختار البقاء. فهذه أربع حالات: • أن يطلق هو مباشرة. -2- أو يُملك امرأته. 3- أو يوكل من شاء. 4- أو يخير امرأته بين الطلاق أو البقاء. • والطلاق أبغض الحلال إلى الله، والشرع دعا إلى الحدّ منه، وجعل في محل وقوعه حكمة بليغة، فوقت وقوعه الشرعي جعله الشرع هو وقت رغبة الرجل في المرأة، والحالات التي لا يكون الرجل فيها راغبا في زوجته منع الشارع الطلاق فيها. والطلاق السني هو أن يكون طلقة واحدة في طهر لم يمسها فيه وما سوى ذلك يسمى طلاقا بدعيا. • والطلاق البدعي اختلف فيه هل يقع أم لا؟؟ فمذهب الجمهور انه يقع ويعد، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يعد، لكن المعروف في الصحيح وغيره يدل على أن ذلك الطلاق يُعد. وابن عمر طلق امرأته وهي حائض فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره ذلك فقال: "أمره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء". • والطلاق السني يكون وقت المرأة حاملا أو حائلا، وقد اختلف أهل العلم هل تحيض الحامل أم لا؟ ومذهب الجمهور أنها لا تحيض، ومذهب المالكية أنها تحيض. وطلاق الحامل عموما سني لأنه فترة الحمل مدعاة للشفقة والرأفة بزوجته وولده. • والاستحاضة للحامل لا يراها أهل العلم حيضا، لذلك يجوز وطئها، كما يجوز طلاقها. *- قد يكون الطلاق السني تأديبا. • *- أركان الطلاق إثنان: قولي وقلبي؛ 1- فالقولي اللفظ . والقلبي النية. فلا بد في الطلاق من اجتماع الأمرين، فإذا نوى الطلاق ولم يتلفظ به فإنه لا طلاق، لأنه نية لإيقاع الطلاق ولن يقع حتى يصدر القول، لكن هذا القول اختلف فيه فقيل لابد أن يكون قولا يُفهم منه الطلاق وهذا مذهب الجمهور، وقيل بل كل قول نوى به الطلاق يحصل به وهذا مذهب المالكية. • *- إذا كتب اللفظ ولم ينطق به: إذا كان له مانع من النطق كالأبكم أو البعيد الذي لا يسمع بلفظه فكتب إليها الطلاق فإذا وصلها الكتاب وقرأته تعتبر طالقا، وإذا لم يصل إليها فالراجح أن له أن يتراجع عنه لأن الكتابة لا تفهم إلا باجتماع أمرين؛ بصدورها من قاصدها وبوصولها إلى الطرف الآخر وقراءته لها وفهمه لها، ويحصل الطلاق بأية لغة فهم مقصودها، لكن إذا لقن الطلاق بلغة لا يعرف مضمونها فإن الطلاق لا يحصل حتى يفهم ذلك الكلام. • *- الطلاق لا يوقعه إلا الزوج أو من وكله الزوج عليه أو جعله بيده، والوكالة إذا قصرت طالت وإذا طالت قصرت، فإذا قال له وكلتك على طلاق امرأتي فقط فإن له أن يطلق واحدة واثنتين وثلاثا لأن الوكالة عامة، لكن إذا قال له وكلتك على طلقة واحدة رجعية سنية وأطال لفظ الوكالة فإنه يقتصر على ما تلفظ به فقط فليس له إلا أن يطلق طلقة واحدة إذا شاء. ومثل ذلك التمليك؛ إذا ملك المرأة أن تطلق نفسها فلها أن تطلق واحدة واثنتين وثلاثا بخلاف ما إذا خيرها بين البقاء معه ومفارقته فإن اختارت الفراق كان ثلاثا وهو الراجح، وإن اختارت البقاء لم يحصل شيء وهذا هو الراجح والمسألة فيها إثنى عشر قولا في مسألة التخيير، وهذه الأقوال للصحابة والتابعين. • وطلاق الفضولي يمضي إذا كان بحضرة الزوج ولم ينفيه أو يعارضه وحتى إن سكت فيمضي عليه. كسكوت النبي صلى الله عليه وسلم فهو لدلالته على إقراره ومثل ذلك سكوت البكر في النكاح كما قال صلى الله عليه وسلم: " البكر تستأمر وإذنها صماتها والثيب تعرب" . • وكذلك طلاق القاضي الذي جعله الشارع وكيل كل غائب ووليا عن كل من ليس له ولي، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له . • *- ألفاظ الطلاق تنقسم إلى قسمين: 1- صرائح الطلاق. 2- كناياته. 1- فالصرائح؛ لفظ طلقتُ وما يشتق منه، فهذا اللفظ صريح الطلاق إجماعا. وكذلك بعض الألفاظ التي عرفت واشتهرت على أنها من ألفاظ الطلاق فاعتبرها الفقهاء على أنها من صريح الطلاق مثل : فارقت أو سرحت أو اعتدي ...، فمنهم من يرى أنها من صرائح الطلاق ومنهم من يرى أنها من كناياته أما كنايات الطلاق فهي مثل: " حبلك على غاربك"، فصريح الطلاق لا يحتاج إلى النية . • فهذه الألفاظ سواء اعتبرت فيها النية أو لم تعتبر فالمحكم فيها العادة والعرف في البلدان، فبعض الألفاظ يعتبر في بعض البلدان طلاقا ثلاثا. وبعض البلدان لا يعتبر فيه إلا واحدة. ويحتاج في هذه الأمور الرجوع إلى الفتوى من أولي العلم الذين يستنبطون الأحكام . • الآثار المترتبة على الطلاق: • *- العدد: جعلها الله تعالى مترتبة بعد النكاح، وهي تقع من وفاة ومن طلاق، فإذا كانت من وفاة فإن المتوفى عنها زوجها إن لم تكن حاملا فإن عدتها أربعة أشهر وعشرا، كما قال الله تعالى: " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(الآية: 234 البقرة). والعبرة من ذلك من وفاة الزوج، فإذا مات ولم تعلم به إلا بعد مضي أربعة أشهر وعشرا فقد انتهت عدتها. • أما العدة من الطلاق: فإن كانت المرأة فعدتها أيضا وضع حملها لأن الله تعالى يقول: "وألات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن،" وهذا يشمل المتوفى عنها والمطلقة. • والمطلقة تنقسم إلى مدخول بها وغير مدخول بها؛ غير المدخول بها لا عدة للرجل عليها، لأن الله تعالى يقول: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (49)(الأحزاب). فإن كانت حاملا ومسها فعدتها وضع حملها ولو طال، والعبرة في ذلك إلى الطب، وقد اختلف في أمد الحمل فالراجح الذي عليه الجمهور أن أقصر أمد الحمل ستة أشهر، لأن ذلك ما استنبطه علي رضي الله عنه من دلالة الإشارة عند قوله تعالى: " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"، فإذا أخذنا عامين للرضاع من ثلاثين شهرا لم يبق إلا ستة أشهر. • أما إذا كانت المرأة غير حامل فيمكن أن تكون آيسة من الحمل لصغر أو كبر وهذه عدتها ثلاثة أشهر، إلا إذا ارتابت، والمرتابة هي التي يُحتمل أن تكون حاملا وهذه تعتمد على القرائن الطبية والفحص الطبي، لكن مع هذا إذا ارتابت فإنها تجلس تسعة أشهر للريب وثلاثة أشهر للعدة والجميع سنة. • وإذا كانت المرأة غير آيسة؛ وهي التي تعتد بالأقراء وليست صغيرة ولا كبيرة فإنها تعتد بالأقراء، لقوله تعالى: " وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)(البقرة). وقد اختلف أهل العلم في القروء فذهب بعضهم إلى أنها الأطهار. والمرجع في اللغة على أن القرء يطلق على الحيض ويطلق على الطهر. فعدة المرأة غير الآيسة ولا المرتابة ثلاثة قروء، أم الآيسة فإنها تعتد بتلاثة أشهر. لكن قد تتداخل العدد وسبب تداخلها اجتماع فُرقتين فإذا طلق الزوج امرأته وابتدأت عدتها بالأقراء مثلا أو بالشهور ثم توفي هو فإن العدة الأولى قد انهدمت ودخلت عليها عدة جديدة وهي عدة الوفاة وعدة الوفاة أقوى من عدة الطلاق، لأنها محدودة بالمدة وهي أربعة أشهر وعشرا، وهذا في غير الحامل؛ والحامل اختلف فيها فقيل تعتد بأطول الأجلين وهو مذهب عليّ والعباس ومذهب الجمهور أنها تعتد دائما بوضع حملها حتى لو وضعت مباشرة بعد موت زوجها. انتهى. • ثم بدأ الشيخ في استقبال أسئلة المستفتين والإجابة عليها، وهي أسئلة متنوعة منها ما هو داخل في الموضوع نفسه، ومنها ما تناول مواضيع أخرى حسب اهتمام كل سائل. محاضرة مهمة ورائعة حوت الكثير من دقائق الفقه في مسألة الفُرقة الزوجية ندعوكم لمتابعتها.



النتائج النهائية لمسابقات دخول المركز

اشترك في القناة

موقع مركز تكوين العلماء

برامج تلفزيونية

إحصائيات

المتصفحون الآن: 24 

تابعونا علــــى:

تابِع @ShaikhDadow