كلمة فضيلة الشيخ بمناسبة " مسيرة القدس العالمية "


كلمة الشيخ في مسيرة القدس العالمية نواكشوط- موريتانيا، بتاريخ: 06/06/2014م. وهذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تحية لهذه الوجوه المباركة التي خرجت في هذا اليوم الذي هو أشرف أيام الدنيا وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه اهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مطرقة مصيخة من طلوع فجره إلى طلوع شمسه تنتظر الساعة إلا الإنس والجنة". خرجتم في أعقاب أداء فريضة من فرائض الله تعبيرا عن واجبكم وأداء للحق الذي تقتضيه بيعتكم مع الله سبحانه وتعالى وانتصارا لمقدسات هذه الأمة فالمسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى ومسرى رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم ومنه عرج إلى السماوات العلى وفيه أعلن الله إمامته على الأنبياء فحشر له الأنبياء جميعا من أولهم إلى آخرهم فصلوا وراءه إيذانا بمسألتين عظيمتين الأولى: إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم للبشرية كلها، والثانية: تمليك المسجد الأقصى وأرض فلسطين لهذا الرسول الكريم ولهذه الأمة من بعده، هذان الأمران هما إعلان إلهي مقدس، ومنذ ذلك الوقت فإن المسجد الأقصى هو مسجد المسلين بناه آدم ثم بناه بعده إبراهيم بعد أن بنا المسجد الحرام بأربعين سنة، ثم بعد ذلك فتحه أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وقد سافر من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القدس على بعير له يتعاقب عليه هو ومولاه تارة يركب المولى ويقود به عمر وتارة يركب عمر ويقود به المولى حتى دخ المسجد الأقصى فصلى فيه ركعتين واستلم مفاتيح القدس من قسها وأعلن العدل وأقام الوثيقة العمرية المشهورة التي بها التعايش السلمي بين سكان فلسطين من المسلمين ومن النصارى ومن غيرهم من مشركي العرب فهم جميعا يدخلون تحت ظلال هذه الدولة الإسلامية وينعمون بعدلها ويشتركون ويتآخون تآخيا بشريا على هذه الأرض التي جعلها الله للناس كافة، ومنذ ذلك الوقت كان المسجد الأقصى مأمنا لكل القادمين إليه من أنحاء العالم نعموا جميعا بعدالة هذه الأمة وبرحمتها وبرفقها ولطفها لم ترق الدماء ولم تنتهك الأعراض ولم يعتد على أحد فكان الفتح فتح بركة ورحمة ومنذ ذلك الوقت استقر المسلمون مرابطين في أرض الرباط يصلون في هذا المسجد الذي بناه أمير المؤمنين عمر وأسسه وهو الجامع القبلي في المسجد الأقصى، ثم بعد ذلك بنا عبد الملك ابن مران قبة الصخرة -التي تحملون الآن تمثالها- ثم بعد ذلك بنا أبنه الوليد المسجد المرواني وجدد هذا المسجد المهدي العباس ومنذ ذلك الوقت وهذه الأمة تحافظ عليه، احتل أقل من قرن على أيد الصليبين وقد أراقوا الدماء وأذاعوا الفساد في مدينة القدس، عندما جاء صلاح الدين طهر المسجد الأقصى ومدينة القدس ولكنه جاء خاضعا لله سبحانه وتعالى خاشعا له وقد كان يلصق لحيته بصدره تساء واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وحياء من الله وقد أعلن الأمان لكل أهل فلسطين سواء منهم من كان من المسلمين ومن كان ممن سواهم فلم ترق الدماء ولم يعترض على أحد ولم تصادر حريات الناس وإنما أمن الناس كذلك وعاشوا في أكناف هذه الدولة الإسلامية فتذكروا أيام عمر وعثمان وعلي ومن سبق من الأئمة في مختلف العصور وقد جاء صلاح الدين إلى القدس بعد أن تهيأ لذلك وهيأ له أهل مصر وأهل الشام وقد كان محدثا فجاءه طلبة الحديث يريدون أن يحدثهم بالحديث المسلسل بالابتسامة فحدثهم بالحديث ولم يبتسم فقالوا نريد أن تبتسم حتى يتصل لنا التسلسل فقال إني لأستحي من الله عز وجل أن ابتسم والمسجد الأقصى محتل من طرف الصليبين. وقد جاء صلاح الدين يقدم جيشه ويأمرهم بقيام الليل وبصيام النفل وبذلك ينصرون وعندما مر ببعض القرى وجد فيها الفقراء من المسلمين فقال انتم مقدمة الجيش فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وهل تنصرون أو ترزقون إلا بضعفائكم"، ثم هاهو المسجد الأقصى اليوم يمثل امتحانا لهذه الأمة حيث يحتلوه حفنة من شذاذ العالم والآفاقيين الذين تجمعوا من كل أنحاء العالم ليس لهم في فلسطين أي حق ولا لآبائهم ولا لأمهاتهم ما عرفوا هذه البلاد وليس لهم فيها أي تاريخ وإنما تجمعوا من أنحاء الأرض من أوروبا ومن الاتحاد السوفيتي سابقا ومن بلاد المغرب الإسلامي ومن لفلاشا في الحبشة ومن اليمن فاجتمعوا لاحتلال هذه الأرض وها هي الآن ترزح تحت احتلالهم منذ هذه المدة الطويلة وهي تنادي فيكم اليوم روح صلاح الدين الأيوبي تنادي قادة العالم الإسلامي ليتحرك ضميرهم ولعله يوجد فيهم مثل هذا الكردي البطل الذي قدم نفسه فداء للمسجد الأقصى فحرره وانتصر له، تنادي علماء المسلمين ليتقدم منهم أمثال البندلاوي الذي قتل على مشارف القدس عند باب المغاربة يوم تحرير المسجد الأقصى من الصليبين، تنادي كذلك تجار المسلمين وأغنياءهم وذوي السعة منهم ليقدموا لأهل فلسطين ولأهل مدينة القدس أهل الرباط حتى يستقروا في ديارهم وحتى يكاثروا هؤلاء الغزاة، تنادي كذلك ساسة العالم وقادة الرأي وأصحاب الأقلام والذين يدافعون عن حقوق البشرية فإن هذا الشعب مضطهد مهان وقد مضى على ذلك قرابة قرن من الزمن وهو تحت التقتيل والتشريد والاهانة واليوم في سجون الكيان الصهيون أكثر من عشر آلاف أسير من أهل فلسطين، وعدد كبير منهم نم النساء والأطفال الذين لم يبغوا الحلم والغريب في الأمر أن ثلث الأسرى هم من الطلاب وبعضهم ناقشوا رسائلهم في سجونهم وعدد كبير منهم اليوم في إضراب شامل بدؤوه من ذو بعض الوقت. ثم المسجد الأقصى اليوم يتعرض لأكبر مؤامرة تعرض لها قط وهي بحفر الأنفاق تحته ومحاولة تهديمه فالصهاينة يريدون إزالته وطمس أثره ليبنوا هيكلهم المزعوم على أنقاضه وهم بذلك كاذبون فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا بالفتح الذي يفتح به هذا المسجد في آخر الزمان وقد صح في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد كثير من الأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة إلا وعقر دار المسلمين الشام"، ومنها "إن الله تعهد لي بالشام"، ومنها "أن أجنحة الملائكة تظلل الشام"، ومنها "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم"، ومنها "لينزلن المسيح ابن مريم حكما عدلا عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين يمينه على ملك وشماله على ملك إذا رفع رأسه تحدر منه مثل الجمان وإذا طأطأه تقاطر كأنما خرج من ديماس لا يحل لكافر أن يجد ريح نفسه إلا ذاب كما يذوب الملح في الماء وإن نفسه ليبلغ ما يبلغ بصره فيجد الصلاة قد أقيمت فيقولون يا نبي الله تقدم فصل فيقول ما أقيمت لي تكرمة لهذه الأمة ويطلب المسيح الدجال فيدركه بباب لد –وهو مطار تلابيب الآن- فيضربه بحربته بين كتفيه فتخرج من بين ثدييه وكان بالإمكان أن يموت بنفسه كما يموت غيره من الكفار ولكنه سأل الله أن تكون له فيه طعنة لا يفوته بها ويري الناس دمه على حربته حتى يعلم الذين ارتدوا به أنه ليس ربا وأنه قد قتل"، وكذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم قتال اليهود في تلك المنطقة ففي حديث نهيك السكوني "لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم أنتم يومئذ شرقي نهر الأردن وهم غربيه ولا أدري من الأردن يومئذ"، وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لتقاتلن اليهود فلتقتنهم حتى يقول الحجر والشجر يا عبد الله يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"، والمقصود باليهود هنا ليس الذين آمنوا بموسى واتبعوا ملته بل المقصود الصهاينة الذين احتلوا المسجد الأقصى ودنسوا مقدسات المسلمين وسعوا في الأرض فسادا وفعلوا من أنواع الأفاعيل ما لم يخطر على قلب أحد من البشرية وفي تاريخها، وقد بين الله سبحانه وتعالى أنهم سيفعلون ذلك قال الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا)). أنت اليوم بوقوفكم هنا تعبرون عن نصرتكم لرسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم وعن نصرتكم لمقدسات المسلمين ومنها المسجد الأقصى الذي جمعه الله بالمسجد الحرام الذي هو قبلتكم التي تصلون إليها وإخوانكم في مشارق الأرض ومغاربها يقفون اليوم موقفا مثل موقفكم هذا مناصرة لهذه القضية ورفضا لهذه المؤامرة وسعيا لتطهير المسجد الأقصى من الاحتلال ورفضا لمؤامرة تقسيمه بين المسلمين والنصارى من جهة وبين اليهود من جهة أخرى فالمسجد الأقصى هو لأهل الأرض تحت سيطرة المسلمين وقيادتهم ومن أتاه من الديانات الأخرى يكون في ضيافة المسلمين وتحت حمايتهم وحراستهم. والمسجد الأقصى للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته هبة من الله سبحانه وتعالى لا معقب لها وسيبقى كذلك. المسجد الأقصى شامخ عزيز بالمجاهدين والذين يقاومون الاحتلال وبالمرابطين الذين يقرؤون القرآن ويصلون في ساحاته وبين أسواره. المسجد الأقصى ليس ملكا لأهل فلسطين وليس مختصا بأهلها بل هو لهذه الأمة كلها لقاصيها ودانيها وأنتم اليوم تعلنون من هذا الموقف أنكم لا تتنازلون عن حقكم في المسجد الأقصى ولا في أي شبر من أرض فلسطين وأريد أن أرى أصابع الرفض فارفعوا المسبحة إلى السماء رفضا لهذا الاحتلال وإيذانا أنكم لن تتنازلوا عن حقكم في المسجد الأقصى وفي كل فلسطين، لو تنازل بعض الفلسطينيين عن بعض فلسطين فإن ذلك لا يلزم هذه الأمة ونحن لا نعترف به فأي صلح أو سلام ثمنه الأرض المقدسة فهو مردود فلذلك ثمن هذه الأرض هي الدماء الطاهرة التي تراق من المجاهدين في سبيل الله الذين يسعون لإعلاء كلمة الله وينصرون المستضعفين من المسلمين الذين قال الله فيهم في محكم التنزيل ((وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)). ها أنتم اليوم تقفون هذا الموقف كذلك ليرى العالم كله أنكم مع الحرية ومع التعايش السلمي وأنكم تناصرون القضايا العادلة ولذلك فإن هذه المسيرة التي دعا لها "الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني" هي فريضة على المسلمين فرض كفاية تقومون به اليوم عنهم، وأنتم كذلك تعبرون عن هذا الشعب الذي ابتعثكم تعبيرا عنه فيجتمع فيكم اليوم مختلف توجهاته السياسية ومختلف أحزابه ومختلف ألوانه ومختلف شرائحه تعبرون عن أن الشعب الموريتاني بكل مكوناته لا يقبل الضيم ولا يتنازل عن المسجد الأقصى ولا يتنازل عن أرض فلسطين. إنه موقف مشرف في الدنيا والآخرة. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشرف هذه الوجوه جميعا وأن يحرم هذه الأقدام التي اغبرت في سبيل الله على النار. الدعاء.



النتائج النهائية لمسابقات دخول المركز

اشترك في القناة

موقع مركز تكوين العلماء

برامج تلفزيونية

جديد الموقع

إحصائيات

المتصفحون الآن: 25 

تابعونا علــــى:

تابِع @ShaikhDadow